موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١
المسار المجمعي: نهج كنيستنا المحلية للاهتمام بشؤون المؤمنين الذين يواجهون أكبر العقبات
الأب برنارد بوجي، رئيس المعهد الإكليريكي التابع للبطريركيّة اللاتينية (تصوير: وضاح علامات/أبونا)

الأب برنارد بوجي، رئيس المعهد الإكليريكي التابع للبطريركيّة اللاتينية (تصوير: وضاح علامات/أبونا)

الأب برنارد بوجّي :

 

«ما هو هذا السينودس الجديد؟» لقد كان هذا السؤال عالقًا في الآونة الأخيرة. قد يبدو الجواب على أنه أمر غير مفهوم، فالإجابة هي: العمليّة السينوديّة أو المسار المجمعيّ. نعم، السينودس هو حول العمليّة المجمعيّة؛ سينودس حول السينودس! لكن ماذا يعني ذلك بالضبط؟

 

إن أحد المواضيع التي تميّز فيها قداسة البابا فرنسيس، هي أسلوبه في تسليط الضوء على أهميّة التفكير معًا. لقد أبرز قداسته كثيرًا أهمية السينودس في اللّاهوت الكنسيّ (Ecclesiology) داخل الكنيسة. إذ قال مؤخرًا: «تعبّر العملية المجمعيّة (Synodality) عن طبيعة الكنيسة وشكلها وأسلوبها ورسالتها» (خطاب البابا فرنسيس إلى مؤمني أبرشية روما: يوم السبت، 18 أيلول 2021). إنه لمن الصعب أن نفهم متى يريد الأب الأقدس أن يُقام سينودس حول العمليّة المجمعية، ولكن إذا ما نظرنا إلى معنى ما يقول، يمكن لنا أن نفهم كلمة سينودس بشكل أفضل؛ والتي تعني: «السير معًا».

 

في هذه السنة التاسعة من حبريته، أراد الأب الأقدس أن تجتمع الكنيسة بأكملها للتعبير عن رغباتها واحتياجاتها ورؤيتها للسنوات القادمة. في ضوء ذلك، وبدلاً من العمل من أعلى إلى أسفل، اقترح قداسته عمليّة سينوديّة عالمية طموحة مدّتها ثلاث سنوات، وتُقام على ثلاث مراحل. نحن فقط في بداية المرحلة الأولى من هذه المراحل الثلاث والتي سيتم تخصيص مدة سبعة أشهر لهذه المرحلة، اعتبارًا من تشرين الأول 2021. تتعلق هذه المرحلة الأولى بالكنائس الأبرشيّة بمفردها ولا تقترح الموضوعات التي يجب مناقشتها، بل تركّز على الإصغاء إلى المؤمنين. ليس لغرض جمع الآراء؛ فهو «ليس استقصاءً، بل استماعٌ للرّوح القدس، كما نقرأ في سفر الرؤيا: من له أذنان فليسمع ما يقوله الروح للكنائس (2: 7). أن يكون لدينا آذان، وأن نُصغي، هو أول ما علينا القيام به لسماع صوت الله، وإدراك حضوره، والشهادة لعبوره ولنَفَسِ حياته». (المرجع نفسه).

 

بالنسبة إلينا في القدس، هذه العملية ليست بالأمر الجديد: فهي في الواقع تعود إلى جوهر وأساس ما نجده في سفر أعمال الرسل والذي يشير الأب الأقدس إلى أنه «أول وأهم كتاب إكليسيولوجي». نجد في سفر أعمال الرسل مثالين رائعين عن العمليّة المجمعيّة: في الفصل السادس، نجد الرسل يستجيبون لشكاوى المسيحيين من أصول يونانية «لأن أراملهم يُهمَلْنَ في خدمة توزيع الأرزاق اليومية» (6: 1). ومرة أخرى، نرى العملية المجمعية في الفصل الخامس عشر من أعمال الرسل في قضية أخرى، حيث نقرأ: «فقام أناس من الذين كانوا على مذهب الفريسيين ثم آمنوا، فقالوا: يجب ختن الوثنيين وتوصيتهم بالحفاظ على شريعة موسى. فاجتمع الرسل والشيوخ لينظروا في هذه المسألة» (15: 5-6).

 

يمكننا القول بأنّ العمليّة المجمعيّة هي قصة رحلة بدأت في القدس، وبعد رحلة طويلة وشاقة انتهت الآن في روما. في هذه الرحلة، كلّ من يسلك هذا الطريق، يسميه الأب الأقدس «بطلَ الرِّواية، إذ لا يمكن اعتبار أي شخصٍ إضافيًا في هذه القصة» (18 أيلول، روما). لكن معنى وأهميية السينودس لم يقتصر على القرن الأول فقط. إذ يتذكر الكثير منكم سينودس عام 2000 الذي استغرق ما مجموعه 10 سنوات، والذي انتهى بالمخطط الراعويّ العام لكنيسة القدس. لقد كان مشروعًا قاده أصحاب الرؤيا من أبناء كنيستنا المحليّة، كالبطريرك ميشيل صبّاح والأب رفيق خوري.

 

إنّ الفكرة العامّة للسينودس هي إيجاد حلول مشتركة للمشاكل الحقيقية التي يواجهها المؤمنون في الكنيسة. نتيجة لذلك، تسعى الكنيسة إلى تبنّي اهتمام مشترك واتخاذها وكأنها مبادرة كلّ واحد. ولهذه الغاية، يستشهد الأب الأقدس بسفر أعمال الرسل في قوله: «أن نجمع جماعة التلاميذ معًا وأن يتخذوا قرارًا بتعيين هؤلاء الرجال السبعة الذين في خدمة الموائد». إذ كانت هذه مبادرة مجمعية، التي طرحت المشكلة، وقدمت رأيًا استحسنته الجماعة كلّها (راجع أع 6: 5)، وفي النهاية أدّت إلى نمو الجماعة في القداسة.

 

على مستوى الأبرشيات تنقسم العملية الى مراحل: في المرحلة الأولى التي تقام على نطاق الأبرشية، من المهم أن تبدأ الكنيسة بالإصغاء: وكما نطلب من الآخرين أن يستمعوا إلينا، علينا نحن أيضًا أن نصغي إليهم: أن نسمع هموم الـمُعَّمدين، يعني أن نتجاوز البنية الكنسيّة الجامدة في كثير من الأحيان وأن نمضي قدمًا كإخوة بعضهم مع بعض ليكتشفوا ما هي احتياجاتهم، ولا يستهينوا بها، بل يرى كلّ منا هذه الاحتياجات على أنها إحتياجاته.

 

بينما قد يبدو هذا الجزء الأول من المسار السينودسي للكثيرين وكأنه ديمقراطية كنسيّة، إلا أنه بعيد كل البُعد عن ذلك. بينما تركز الديمقراطية على الأغلبية، تركز السينودسيّة المجمعيّة على الأقليّة التي تواجه أكبر العقبات. إنه بالأحرى ما تسميه الكنيسة «حسّ الإيمان» أو الإيمان الآتي من المؤمنين. إنّ السّماح لجميع المؤمنين بإدلاء رأيهم، يعني الإعتراف بكرامة الوظيفة النبويّة التي اكتسبوها يومَ معموديتهم. إلى هذا الحد، يلاحظ الأب الأقدس بأنه «لا يمكن اختزال ممارسة حسّ الإيمان بالتواصل ومقارنة الآراء التي قد تكون لدينا حول هذا الموضوع أو ذاك، أو هذا الجانب الفردي من العقيدة، أو تلك القاعدة». وأضاف: «لا يمكن أن تسود فكرة التمييز بين الأغلبيات والأقليات» (18 أيلول، روما).

 

أما المرحلة الثانية لهذه العملية هي ما نعتبره «إقليميًّا: حيث ستجتمع مناطق معينة من العالم لاكتشاف الموضوعات المشتركة التي تم جمعها على مستوى الأبرشية. أصدر الفاتيكان توجيهًا مفاده أنه بحلول 10 نيسان 2022، بعد عملية «الاستماع والصلاة والتفكير»، ستُصدِر كل كنيسة محلية وثيقة لا يمكن أن تتجاوز 10 صفحات، ترسلها إلى روما. وفي أيلول 2022، سيتم نشر وثيقة عمل تسمى "أداة العمل" لتوجيه الجمعيات القاريّة والإقليميّة، مما يسمح لهم بمزيد من مناقشة محتويات تقاريرهم. ستتم المرحلة الثانية من مسار السينودس قبل آذار 2023. وستُرسل نتيجة هذه المحافل الإقليمية مجددًا إلى روما للمساعدة في توجيه تشكيل "أداة عمل" ثانية من أجل التجمع الفعلي لسينودس الأساقفة الذي سيُعقد في تشرين الأول المقبل، 2023.

 

إذا فكرنا في الأمر حقًّا، فهذه مبادرة جريئة جدًّا: ففي الوقت الذي تبدو فيه الكنيسة الجامعة مجزأة ومنقسمة، قد تكون هذه الخطوة ضرورية لمساعدتنا في التغلب على الاختلافات الجذريّة في الظروف الكنسيّة والوجوديّة لكل كنيسة محليّة. كما أنها مبادرة جريئة لأنها تسلّط الضوء على الـمُطالبة بقدر معين من الحريّة الدينية؛ هذا الأمر الذي يُعتَبَرُ أمرًا مفروغًا منه في الغرب، في حين لا يمتلك العديد من الكاثوليك في الكثير من أنحاء العالم هذه الحريّة الدينيّة.

 

أهم شيء في هذه المرحلة هو أن تكون جزءًا من المحادثة الكنسيّة: هذه هي الدّعوة التي أراد الكثير منكم أن يكون صوتكم مسموعًا. ستحتاج هذه المرحلة أيضًا إلى قدر معيّن من التمييز من جانب الأساقفة؛ في كل الأحوال، للابتعاد عن رغبات واحتياجات قلّة (ربما هم أكثر نفوذًا، فسوف يتعيّن على الأساقفة الدّفاع عن العملية المجمعيّة من التحيّزات في وسائل الإعلام، ومن المتبرّعين، ومجموعات الضّغط الذين يحاولون التأثير على الكنيسة من خلال أموالهم. أكثر من ذلك، سيتعيّن عليهم الإلتزام بالبقاء أوفياء للواقع الذي يعيشه المؤمنون بدلاً من السّعي لإرضاء كل أولئك الذين يريدون المزيد من الوضع الراهن (Status Quo).

 

سيكون للأساقفة بعد ذلك أيضًا دور مهم بمجرد انتهاء السينودس، يتمثّل في تنفيذ وتناول الاهتمامات التي تمّ التعبير عنها في العملية، وإلا فإن العملية برمتها ستؤدي إلى مجرّد إصدار كتابٍ آخر سيوضع على الرّف. يشارك الكهنة أيضًا في هذه المسؤولية؛ يجب أن يقتنعوا بأن العملية تستحق هذا العناء ويحثّوا على مشاركة المؤمنين، ويجب أن يكونوا راغبين في تكييف أفكارهم ومبادراتهم في النهاية، مسترشدين بنتائج العملية برمّتها.

 

هنا في هذه الأرض المقدّسة، نحن محظوظون بوجود العديد من الشباب في كنائسنا، وهناك العديد من العقبات التي تحول دون إبقاء الشباب متحمسّين حيال الكنيسة. يجب أن تكون هذه العملية فرصةً لنُظهر لشبابنا أننا على استعداد للاستماع إليهم. كما أشار البابا فرنسيس في رسالته إلى الشباب قبل أربع سنوات: «لقد حثّ القديس بندكتوس رؤساء الدّير على التّشاور مع الجميع -حتى الشّباب منهم- قبل اتخاذ أي قرارٍ مهم؛ لأن الرّبّ غالبًا ما يَكشِفُ للصغار ما هو الأفضل» (قانون القديس بنديكتوس، 3، 3).

 

غالبًا ما اعتدنا على مبادرات ورسائل الكنيسة التي تخبرنا فيها بكل ما يجب أن نعرفه، لكنّ الحقيقة هي أن هذه المبادرات ليست دائمًا انعكاسًا حقيقيًّا لما يعيشه المؤمنون. ستحتاج هذه العملية إلى استعدادٍ لقولِ الحقيقة، وستحتاج إلى رغبة في الاستماع وبعض الجهد للفهم، وفي النهاية ستحتاج إلى جرأة أكبر لتجربة شيء جديد. لكن أليس هذا ما حدث في سفر أعمال الرّسل؟

 

هناك مخاطرات تواجهها هذه المسيرة المجمعيّة. يمكن أن تعزز استياء العديد من الكاثوليك ضد الكنيسة المؤسساتيّة التي تدعو الناس باستمرار ولكنها لا تسمح لهم قط بالدخول. ومع ذلك، فإن هذه دعوة غير مسبوقة من البابا، وينبغي استقبالها بأمل. لا، هذه العملية ليست جديدة علينا في كنيسة القدس، ولكن إذا أردنا نتائج أفضل من السينودس السابق، فعلينا أن نكون مستعدين لعدم إلقاء الضوء على نتائج العملية. المتابعة تعني نجاحنا أو فشلنا: فشلنا يعني زيادةً في الخمول، لكن نجاحَنا يعني نموًّا في قداسة جميع أبناء شعب الله.