موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٢ مارس / آذار ٢٠٢٣
المرأة السامرية من الظلام إلى النور
المرأة السامرية من الظلام إلى النور

المرأة السامرية من الظلام إلى النور

أشخين ديمرجيان :

 

ترك السيّد المسيح منطقة يهوذا ورجع إلى الجليل. وكان عليه أن يمرّ بالسامرة. فوصل إلى مدينة في السامرة تُدعى "سيخارة"، بجوار الأرض التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف، وفيها بئر يعقوب. ووصل المسيح إلى بئر يعقوب منهوك القوى، مع حرقة الشمس في ساعة الظهيرة، فجلس هناك على حافة البئر.

 

أتت امرأة سامرية تستقي. فطلب منها يسوع ماءً ليشرب. ولاحظت المرأة السامرية من لهجة السيّد المسيح الآراميّة ومن ثيابه التقليدية أنّه يهودي، فاستغربت من طلبه لأنّه يهودي وهي سامريّة، واليهود لا يخالطون السامريين ويستعلون عليهم.

 

وحدّثها السيّد المسيح عن الماء الحيّ. ومن أين للسامرية أن تعرف الماء الحيّ الذي ينبع الى حياة ابدية!؟ وفي أثناء الحوار يكشف السيّد المسيح عن معرفته لحياتها الشخصية وأنّها قد تزوّجت خمس مرات على التوالي، وتعيش مع رجُل سادس ليس بزوجها.

 

التقوى الحقيقية

 

هنا هربت المرأة معنويًا من كلام السيد المسيح، لأنّها لم تكن عازمة على أن تتوب، ولجأت إلى خدعة الكلام في الدين. ولأنّها أدركت أنّه نبي سألته عن المكان والزمان المناسبَين للعبادة. أجابها أنّ العبادة يجب أن تتمّ "بالروح والحق" وأنها ليست مرتبطة بمكان أو زمان. أمّا عبادة الحق فهي العبادة النابعة من صميم القلب بكلّ أمانة.  وعلى نقيض عبادة الحرف والكلمة المُتميّزَة بالسطحيّة والشكليّة، هناك عبادة الروح الصادقة. والتقوى الحقيقية بالروح والحق تتمّ بحضور الناس وغيابهم. بينما المنافق لا يصلّي ولا يتصدّق ولا يزكّي إلاّ اذا رآه الناس، وهذه تقوى سطحية تتمّ من باب الرياء والنفاق والضغط الاجتماعي.

 

وحينما وصل تلاميذ المسيح تركتِ المرأة جرّتها، وركضت إلى قومها: «هلمّوا فانظروا رجلاً قال لي كلّ ما فعلت. أتُراه المسيح؟». كَشَفَتِ السامريّة للناس عن حقيقة ذاتها غير خجلة من ذكر خطاياها على الملأ. عرَفَتْ ذاتها وأقرّت أنّ المسيح أدرك كنه شخصيتها... استجاب السامريون لنداء المرأة السامريّة الحارّ والصادق، فخرجوا من المدينة وساروا إلى السيد المسيح ... وذهبوا للقائه وآمن عدد كبير منهم بتعاليمه...

 

كان لليهود نظرة استعلاء على السامريين وكانوا لا يتعاملون معهم، لأنّ السامرة انشقّت عن مملكة داوود وسليمان في جنوب فلسطين، ولأنّ السامريين اختلطوا ببعض الوثنيين خصوصًا بعد غزو البابليين للسامرة سنة 721 قبل الميلاد، ولأنّ السامريين انشقوا نهائيًا ببناء هيكل آخر على جبل جرزيم (نابلس). ولنفس السبب استغرَبَتِ السامرية من أنّ السيّد المسيح لم يأنف أصلاً أن يكلّمها كسامرية أوّلاً وكامرأة ثانيًا. في بداية الحوار لم تفهم السامريّة كلام السيّد المسيح. وذلك لعدم رغبتها في السموّ إلى الروحانيات وتغيير سيرتها الدنيويّة. ولكنّ السيّد المسيح أراد أن يسمو بقلبها وبفكرها الى ما هو فوق المادّة، الى ما وراء الطبيعة...

 

في النهاية تركت السامرية جرّتها كما ترك نيقوديموس مركزه العالي في المجلس اليهودي ليذهب إلى يسوع ليلاً في الخفاء (يوحنا 3: 1 وتابع). وكما ترك التلاميذ شباك صيد السمك ليتبعوا يسوع، لأنهم وجدوا فيه ضالّتهم المَنشودَة، وحَصلوا على النصيب الأفضل برفقته والتتلمذ له. وكلّ من يجد الأفضل والأعظم يترك الأقلّ شأنًا. تركتِ المرأة السامرية جرّتها وحياتها القديمة المليئة بالخطايا، وهذا يدلّ على أنّ رسالة المسيح كانت أعلى شأنًا من ماء الشرب بالنسبة اليها. كما نسيَتْ نفسها وسبب مجيئها الى البئر لملء الجرّة. ونسيت الجرّة وركضتْ إلى المدينة كي تدعو قومها ليلتقوا بالمسيح. لأنّ مَن يجد المسيح يجد كلّ شيء وينسى كلّ شيء.. وينسى نفسه وحياته واهتماماته الفرديّة.

 

 

من الظلام إلى النور

 

ومع أنّ حوار السامرية مع السيد المسيح لم يستغرق أكثر من دقائق معدودة، إلاّ أنّ نوره أضاء عقلها وقلبها. وانتهتْ الى غير رجعة مسيرتها في درب الظلام. لماذا؟ لأنّه "قال لها كلّ ما فَعَلْت"!! إنّ معرفة المسيح لخبايا قلبها وحياتها، وقراءته لأدقّ تفاصيل حياتها مثل كتاب مفتوح، أو كشريط سينمائي يمرّ أمام ناظرَيه، كان له الوقْع الأكبر في نفسيّتها. تلك كانت نقطة الالتقاء مع المسيح.