موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
منذ عام 1901، وبرغبة ممن أصبح فيما بعد البابا بيوس العاشر والذي كان حينها بطريرك البندقية، يُحتفل الأحد الأول من شهر آب من كل عام في مزار Cima Grappa في شمال إيطاليا بطقس تعبد تحوَّل بعد الحرب العالمية الأولى إلى لحظة تذكُّر للمصالحة بين شعوب أوروبا.
وفي يوم الأحد الموافق الرابع من آب، ترأس نائب عميد دائرة البشارة الفاتيكانيّة الكاردينال لويس أنطونيو تاغل قداسًا إلهيًا في هذا المزار، وفي عظته ذكَّر بأن في هذا المكان تُحفظ ذكرى الجنود الشباب الذين سقطوا خلال الحرب العالمية الأولى وذلك من الجانبين، أي من إيطاليا والامبراطورية النمساوية المجرية. ومن هذا الجبل، واصل الكاردينال، ترتفع الصلاة من أجل السلام ويوجَّه النداء من أجل إنهاء النزاعات المسلحة. كفى للدمار، كفى للقتل، كفى للحرب.
وتابع عظته متسائلا كيف يمكننا نحن تلاميذ يسوع المسيح أن نكون معززين للسام الحقيقي الذي يمكن للرب وحده أن يهبه؟ كيف يمكننا أن نمجد الفادي أمير السلام وأن نحاكي مريم العذراء سلطانة السلام؟ كيف يمكننا من خلال بناء السلام تكريم ذكرى الجنود الذين قُتلوا؟ وللإجابة على هذه الأسئلة عاد الكاردينال تاغل إلى قراءة اليوم فقال إن الطريق الذي يمكننا السير عليه هو التأمل في الرغبات وتطهيرها، وذلك لأن الحروب تنشأ عما وصفها بشهية منحرفة بينا ينشأ السلام عن الرغبات النقية.
ثم توقف عند كلمة الشهية مشيرًا إلى أنها الرغبة في شيءٍ ما يسد حاجة سواء كانت حاجة حقيقية أو متخيَّلة، فالرغبات تؤثر على تصرفات الأشخاص وقراراتهم وأفعالهم. وعاد نيافته إلى قراءة اليوم من سفر الخروج فقال إننا نجد هنا أن رغبة جماعة بني إسرائيل في الطعام أصبحت أكثر قوة في الصحراء مع شح الطعام، إلا أنهم وبسبب هذه الرغبة يشتاقون إلى مصر حيث اعتبروا العبودية أفضل من الجوع، وأن الرغبة في الحرية قد زالت أو على الأقل قد ضعفت. وجاء رد الله بأن أمطر عليهم المن والسلوى لا فقط لسد حاجتهم إلى الطعام، بل أيضًا لسد حاجتهم إلى كلمة الله، مشيرًا إلى أن قضية بني إسرائيل قد أصبحت أي رغبة ستكون لها الغلبة، الرغبة في كلمة الله أم في العودة إلى فرعون مصر.
بعد ذلك انتقل إلى القراءة من إنجيل القديس يوحنا، فقال إننا نرى هنا يسوع كراعٍ حقيقي يوجه "شهية" الشعب. فقد كان يَعلم أن الجمع قد أتى إليه لا رغبةً في شخصه بل من أجل الخبز والسمك، إلا أنه أيقظ لديهم التطلع إلى الطعام الذي يبقى فيصير حياة أبدية، الطعام الذي يعطيه الله. وهكذا تبدلت شهيتهم، فسألوا يسوع: أعطنا هذا الخبز دائما أبدا، فقال لهم إنه هو خبز الحياة الذي نزل من السماء. وقال إن السؤال هو هل ستكون لديهم رغبة في يسوع أم سيفقدون "الشهية".
وحول القراءة من رسالة القديس بولس إلى أهل أفسس، أوضح بأنّ بولس الرسول يُذكِّر أهل أفسس ويُذكِّرنا بألا نترك يسوع الذي عرفناه، أي ألا نفقد الرغبة في يسوع وجديده، بل علينا أن نترك الأسلوب القديم، أسلوب الحياة القائم على شهوات ورغبات خادعة، وأن نختار الجديد الذي وهبنا إياه يسوع، أي ما يقوم على العدالة وقداسة الحقيقة. فإن أردنا السلام في العالم فعلينا تغيير "شهيتنا"، فطالما كانت هناك رغبة لا تُشبع في الهيمنة فسيكون هناك نزاعات وعنف وموت، بينما حيثما هناك شهية للطعام الذي يحمل العدل والحقيقة والمحبة والحياة في الله فسيكون هناك سلام. لا يكفي أن نقول شهية طيبة، بل علينا أن نقول: فلتكن لديكم الشهية لما هو طيب.