موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٢
البطريرك ساكو في مؤتمر سانت إيجيديو: لتعزيز التنوعّ الثقافيّ والدينيّ كطريق لبناء السلام
جانب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بمشاركة الرئيس الإيطالي ونظيره الفرنسي

جانب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بمشاركة الرئيس الإيطالي ونظيره الفرنسي

أبونا :

 

دعا البطريرك الكلداني الكاردينال لويس ساكو إلى تعزيز التنوعّ الثقافيّ والدينيّ كطريق لبناء السلام، مؤكدًا على أهميّة الجهود التي بذلتها البلدان والأديان في التقارب والتضامن لدرء الخطر المباشر للوباء، وكان هذا عاملا لتوحيد البشريّة، وهو ذاته ينبغي أن يكون المهماز لإحلال السلام.

 

وخلال مشاركته في أعمال مؤتمر "صرخة من أجل السلام"، والذي نظمته جماعة "سانت إيجيديو"، في العاصمة الإيطاليّة روما، أشار إلى أنّ عنوان المؤتمر يشكّل "صرخة أمل للبشريّة في الوطن، لاسيّما في وضع عالمي مثلما هو اليوم مما يشكّل مصدر قلق كبير. لنأخذ، على سبيل المثال، الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن التوترات الشديدة والصراعات الفوضوية التي نشهدها في الشرق الأوسط، والتي هي أيضًا مرعبة. فإن عدد القتلى والجرحى مرتفع، والعديد من المدارس والجامعات أغلقت أبوابها، وحياة المواطنين الأبرياء هي شبه مشلولة. إنهم يعيشون في حالة من الذعر ولا يعرفون ما سيأتي به الغد، وهذا حق أمر رهيب".

 

السلام عملية تثقيفيّة

 

وأضاف: "لبناء السلام، علينا تعزيز التنوّع الثقافيّ والدينيّ، والتقارب والتضامن وجهود جميع البلدان والأديان لدرء الخطر المباشر للوباء! هذا ما تعلمناه بشأن الوحدة الدوليّة في ظروف الوباء، بهذه الوحدة الدوليّة عينها، يجب التحرّك لوضع حد للحرب السخيفة بين روسيا وأوكرانيا، والشيء عينه بالنسبة للحروب الأخرى. فلنا أن نختار الحوار الدبلوماسي والسلام لحل المشاكل وليس استخدام السلاح".

 

وشدّد بأنّ "السلام لا يمكن أن يتحقّق بدون الاحترام والمحبة والأخوّة، وكذلك تضامن كافة الأفراد والشعوب، والعمل من أجل الأمن والرفاه العام للجميع"، موضحًا بأنّ "السلام هو عملية تثقيفية. وللبلوغ إليه، ينبغي تدريب النفس والمضي في التنشئة الذاتيّة. لا شكّ أن السلام هو أيضًا تحدٍ، لكن اختلافاتنا في الوقت عينه، وكل ما يبدو أنه تفرقنا، من شأن كل هذا، أن يجعلنا مكملين بعضنا البعض. ذلك أنّ لكلّ منا ومن بلداننا موهبة يفيد بها المجتمع ككل".

 

وقال: "إننا نعيش في عالم جديد يلزمنا على القبول بإبراز أهميّة التنوّع، بما يتماشى مع النهج العالمي الذي يتطلع إلى المساواة في حقوق الإنسان واحترام حرية فرد وكرامته. بناءً على هذه الاختلافات، وعلى أوجه التكامل هذه، فإننا نعتمد بشكل طبيعي على بعضنا البعض: عندما أعلم أنني بحاجة إلى جاري، فإني أعطي له مزيدًا من الاهتمام بما يعزز العيش بسلام معه. يتعيّن علينا اليوم، أن نخرج من ذواتنا للعمل بطريقة بسيطة وملموسة، بأجواء الصداقة، لبناء السلام: طوبى لصانعي السلام! يقول يسوع (متى 5 ، 8)".

التنوّع في عدّة مستويات

 

وأشار البطريرك الكلداني في كلمته إلى أنّه "لبناء السلام في مجتمعاتنا، فإن تطوير المواطنة الحقيقيّة شرط ضروري للتعايش المتناغم. هذا ما يفسر أن أولئك الذين يغادرون بلادهم للمجيء إلى الغرب يطالبون بالحقوق والكرامة. والحال يتم التعايش على عدة مستويات: على الصعيد الديني، نؤمن جميعًا بإله واحد، حتى لو اختلفت تعابيرنا؛ اجتماعيًّا، فنحن جميعًا إخوة وأخوات تحت مظلة الإنسانيّة؛ ومن الناحية السياسيّة، نحن جميعًا مواطنون على نفس الكوكب".

 

ولفت إلى أنّه "مع ذلك، فقد شوّه التطرّف الديني التعايش، وأدى التعصب السياسي إلى هدم الفسيفساء البشرية، ودمر الفساد المجتمع"، مؤكدًا على أنّ "ما نحتاجه هو تعليم قوي بشأن التنوع كثروة. لا حرج في ’أن تكون ما أنت عليه‘، ولكنّ المهم هو العيش بسلام والتعاون مع الآخرين، واحترام وتكريم الصالح العام".

وأشار إلى أنّ دور المؤسّسات التعليميّة "لا يقتصر على توفير التعليم للتمكّن من العثور على عمل، بل تدريب الأجيال الجديدة على الانفتاح واحترام التنوّع والتعدديّة وتعزيز التضامن والتعايش، وذلك من خلال تنمية قدرات الطلاب عن طريق الحوار الصادق والصداقة، كما وتعزيز المصالحة والتضامن بين مختلف الشعوب والأديان والثقافات من أجل تحقيق السلام والازدهار لجميع المواطنين، كما أكد البابا فرنسيس خلال زيارته إلى العراق في آذار 2021. وهذا التعليم هو أساس التعايش، لأنّ النزاعات القائمة، الانقسامات والعوائق هي نتيجة الجهل والثقافة الأحاديّة والأنانيّة والمصلحة الذاتيّة".

 

وفي الختام، دعا البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو "جميع الغربيين والشرقيين إلى مراجعة تقاليدهم الموروثة بعقل متفتح، لتغييرها وإزالة أي تعبير عن الأصوليّة والكراهيّة وعدم الاحترام، والتكيّف مع الواقع الحالي والتنوّع الاجتماعي. علاوة على ذلك، ينبغي أن نعمل بجد لبناء نموذج مدني وديمقراطي يقوم على المواطنة وليس على نظام طائفي تقسيمي. إنّ بناء السلام في مجتمعاتنا يقتضي تطوير المواطنة الحقيقية كشرط ضروري للمستقبل".