موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٤ فبراير / شباط ٢٠٢١
البطريرك ساكو: زيارة البابا فرنسيس للعراق رسالة للتمسّك بالأرض ورفض التعصّب
البطريرك الكلداني في حوار مع "النهار العربي"...
قوات أمن عراقية تمرّ بجوار أعلام الفاتيكان والعراق وملصقات ترحيبية بزيارة البابا فرنسيس، في أحد شوارع قرقوش، 22 شباط 2021

قوات أمن عراقية تمرّ بجوار أعلام الفاتيكان والعراق وملصقات ترحيبية بزيارة البابا فرنسيس، في أحد شوارع قرقوش، 22 شباط 2021

حاورته موناليزا فريحة :

 

بعد سنتين من زيارته التاريخية للإمارات والتي كانت الأولى لحبر أعظم للجزيرة العربية، يعود البابا فرنسيس إلى المنطقة في الخامس من آذار المقبل، وهذه المرة الى العراق، البلد الذي عانى مسلموه ومسيحيوه على السواء فظائع الجماعات المتشددة والتطرف الأعمى. وتأتي الزيارة في ظروف استثنائية أمنية وصحية، مع حوادث أمنية متكررة وجائحة كورونا التي فرصت إغلاقًا متزايدًا في  البلاد.

 

وتنطوي هذه الزيارة التي طال انتظارها، على الكثير من المعاني،  وهي تشمل بغداد ومدينة أور القديمة، مسقط رأس النبي إبراهيم، وكذلك مدينة أربيل والموصل وقرقوش في سهل نينوى. وسيتوجه البابا إلى النجف في 6 آذار للقاء المرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني.

 

بطريرك الكلدان الكاثوليك مار لويس روفائيل ساكو يشرح لـ"النهار العربي" أهمية هذه الزيارة، ويتحدّث عن إصرار البابا على إتمامها في موعدها برغم التحديات الأمنية والوبائية. ويتطرّق إلى الرسائل التي سيوجهها الحبر الأعظم، الى مسيحيي العراق والمنطقة في لقاءاته.
 

كيف تستعد بغداد لاستقبال الحبر الاعظم؟

 

الشعب العراقي كله يستعد لهذه الزيارة التاريخية والاستثنائية بسبب الظروف، ونظرًا إلى شخصية البابا. والكل متعطش لها، لما تحمله من رسائل.

 

 

ولكن هل تعتقد أن الظروف الأمنية في العراق ملائمة للزيارة؟

 

البابا فرنسيس مصمّم ومتحمّس لزيارة العراق برغم كل الصعوبات والتحديات، سواء في ما يتعلق بالجانب الأمني أم بجائحة كورونا. بالنسبة الى الجانب الأمني، ستتخذ السلطات كل الإجراءات الضرورية لضمان سلامنه. ومن الناحية الصحية، سنلتزم الإجراءات الوقائية الضرورية. أضف إلى ذلك أن البابا رسول سلام يأتي برسائل سلام ومحبة، ولا أعتقد أن أحدًا يرفض الزيارة أو يمكن أن يقوم بشيء يُسيء الى الزيارة التي يقوم بها من أجل الإنسان ومن أجل العراق.

تعرض مسيحيو العراق خصوصًا والمنطقة عمومًا لاضطهاد كبير في السنوات الأخيرة، مع صعود التيارات المتشددة. أي رسالة توجهها زيارة البابا الى تلك التيارات وإلى التعايش في المنطقة؟

 

العراقيون جميعهم عانوا من التيارات المتشددة، بمن فيهم المسيحيون، كونهم جزءًا من هذا النسيج العراقي. ولأنهم أقلية تظهر معاناتهم أكبر. هذه الزيارة هي رسالة لجميع العراقيين وللسوريين واللبنانيين وجميع أبناء المنطقة التي لا تسمح ظروفهم بزيارة كهذه.

 

يزور البابا مدينة أور مسقط إبراهيم. إبراهيم في العقيدة الإسلامية والمسيحية واليهودية، هو أبو الإيمان. وأقول الإيمان لا الديانات، لأن الإيمان بالله واحد. صراع الديانات غير مقبول وصراع الحضارات غير مقبول لأننا ننتمي الى العائلة البشرية، وعلينا أن نتضامن لنستطيع العيش. وكلام البابا كان قوياً قبل أيام عندما قال إما أن نعيش كإخوة وإما نكون غرباء وننهي بعضنا البعض، ونتمى ألا يحصل ذلك.

شهد العراق نزفًا كبيرًا لمسيحييه في العقود الأخيرة. هل تتوقع أي تأثير لهذه الزيارة على هجرة المسييحين؟

 

البابا سيشجّع بالتأكيد مسيحيي العراق ولبنان وسوريا على البقاء والتواصل والتمسك بالرجاء. حرام أن نترك كل هذا التراث وهذه الأرض. نحن أهل هذه الأرض. المسيحيون هم الذين ترجموا المعرفة والعلوم اليويانية الى السريانية والعربية قبل أن تنتقل الى الغرب. للمسيحيين مساهمة كبيرة في الثقافة الإسلامية. علينا أن نصبر ونتمسك بهويتنا المسيحية والوطنية، وألا نفكر بالهجرة عند أي صعوبات. حرام أن ننسلخ عن أرضنا وتقاليدنا. أبناء هذه المنطقة هم جذور المسيحية، فإذا لم يبق فيها مسيحيون، يصير المسيحيون بلا جذور.

 

 

ثمة محطة رئيسية في زيارة البابا للعراق، وهي اللقاء المنتظر بين البابا والمرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى السيد علي السيستاني. أي أهمية تكتسبها هذه المحطة في هذا التوقيت؟

 

نعوّل كثيرًا على هذا اللقاء، لأن البابا استطاع أن يحاور المسلمين محاورة حماسيّة جدًا، فالتقى شيخ الأزهر أحمد الطيب ووقّع معه وثيقة الأخوّة الإنسانية، وأجرى لقاءات أخرى مع الجانب السنّي. ولذا يكتسب لقاؤه السيستاني أهمية لدفع الحوار والتفاهم مع الجانب الشيعي أيضًا من أجل خير المسلمين والمسيحيين. والبابا سيركز على احترام الحياة وقبول الآخر في ممتلكاته وفكره. فالتعاون غنى بينما نبذ الآخر خسارة وفقر.

غير اللقاءات الرسمية، يجري البابا لقاءات مع الإكليروس ولقاءات شعبية.

 

بعد أن يستقبله رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مطار بغداد، والاستقبال في القصر الجمهوري، سيتوجه الى كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك التي فُجّرت عام 2010 واستشهد 65 شخصًا فيها. هناك سيلتقي الإكليروس الكاثوليكي وسيوجه كلمة الى رؤساء الكنائس عن أهمية البقاء وأهمية الشهادة. فالكنيسة الشرقية اكتسبت أهميتها ليس فقط من أنها لم تكن يومًا كنيسة دولة وكانت دائمًا مستقلة، وإنما أيضًا من دماء شهدائها التي سكبت وفاء لإيمانهم. وهذا لم يحصل في الزمن الغابر البعيد فحسب، بل مؤخرًا أيضًا. فبعد سقوط النظام العراقي، خطفت تنظيمات مثل "القاعدة" ثم "داعش" مسيحيين وقتلتهم وطردتهم من منازلهم وأوطانهم بسبب إيمانهم.

 

وبعد كنيسة سيدة النجاة، سيقيم قداسًا في كاتدرائية القديس يوسف الكلدانية في بغداد، وللمرّة الأولى سيرأس البابا قداسًا بغير الطقس اللاتيني، تعبيرًا عن أهمية الكنائس الشرقية الكاثوليكية. وقد أصررت على أن يكون القداس بالطقس الكلداني لأنه بابا لكل الكنائس، لا للكنيسة الرومانية اللاتينية فحسب. حضور كنائسنا شبه مهدد ونحن بحاجة الى دعمه الكامل.

وسيحضر القداس مسؤولون حكوميون ودينيون.

 

ومن القداس، سيتوجه إلى أربيل حيث يلتقي سلطات الإقليم. وسيقصد الموصل التي تعتبر مثالاً للخراب والإرهاب والتطرف الديني. الموصل منكوبة. حتى اليوم لا تزال هناك جثث ضحايا التطرف والإرهاب. زيارة البابا للموصل ستكون بمثابة رسالة مفادها كفى، كفى تعصبًا. التعصب هو ضد الدين. يجب العيش بسلام واستقرار، أيًا كان الدين والمذهب. أما زيارته لقرقوش التي هُجر مسيحيوها، فهي رسالة تشجيع للمسيحيين على البقاء والتواصل مع مجتمعهم. وسيقام في أربيل قداس في الملعب الذي يستوعب أكثر من 15 ألف شخص.