موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٩ فبراير / شباط ٢٠٢١
البابا تواضروس الثاني: ربّوا أبناءكم على الشبع والصبر والقناعة
البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية

البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية

أبونا :

 

أكّد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، ضرورة تربية الأبناء على ما أسماه "تربية الشبع" وضرورة الإستغناء عن الأمور غير الضرورية وتقليل الإستهلاك في الأمور غير المجدية، وأن نربى أبنائنا على فكرة القناعة.

 

وأضاف البابا، خلال عظته الأسبوعية ألتي ألقاها مساء الأربعاء من المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية، بدون حضور شعبي، أنه من الضروري أن نرّبي أبنائنا على نعمة البركة، لافتًا إلى أن مشاركة خيرات الله التي يرسلها للإنسان مع الآخرين يسبب بركة للإنسان الذي يقدم مما لديه بحب، ولذلك علينا أن نعلم أبنائنا أن يشعروا بنعمة الله وبركته في الحياة.


 

وفيما يلي جزء مما جاء في عظة البابا الأسبوعية حول موضوع "الأسرة والتدبير":

 

من سفر الأمثال لسليمان الحكيم: "اِثْنَتَيْنِ سَأَلْتُ مِنْكَ، فَلاَ تَمْنَعْهُمَا عَنِّي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ: أَبْعِدْ عَنِّي الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ. لاَ تُعْطِنِي فَقْرًا وَلاَ غِنًى. أَطْعِمْنِي خُبْزَ فَرِيضَتِي، لِئَلاَّ أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ: «مَنْ هُوَ الرَّبُّ؟» أَوْ لِئَلاَّ أَفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ وَأَتَّخِذَ اسْمَ إِلهِي بَاطِلًا" (أمثال 30: 7-9).

 

ونحن في زمن الكورونا وانتشار هذا الوباء ومع الإجراءات الاحترازية وتقليل الخروج ونحن نتكلم عما يمكن أن نصنعه في البيت مع الأسرة وتحدثنا عن "الأسرة والكتاب المقدس" والأسرة والحوار". واليوم سوف نتكلم عن "الأسرة والتدبير" وكما قال القديس بولس "أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ". وسوف نتكلم عن "المدبر فباجتهاد" كلمة التدبير تساوي في الأمور المدنية كلمة الإدارة، وهي موجودة في المصانع والشركات وحسن الإدارة يؤدي إلى نتائج ناجحة، البيت أيضًا يحتاج إلى إدارة، لا أتكلم عن المفهوم الإداري والقوانين والتعليمات ولكن أتكلم عن حياتنا بداخل البيت وكيف ندبر ما هو عندنا وكلمة تدبير تعني الاستخدام الأمثل لكل ما في البيت الإمكانيات والقدرات الطاقات والمواهب ويجب أن يكون البيت في تدبيره مجتهد وأريد أن أضع أمامك بعض النقاط للمعرفة.

 

1. تربية الشبع: يجب أن نربي أولادنا على تربية الشبع، ليس المقصود الشبع المادي أو شبع من الطعام ولكن بصفة عامة الشبع أن تكون "عينيه مليانه"، شبعان نفسيًا وروحيًا وجسديًا واجتماعيًا. وتربية الشبع نسميها روح القناعة ولا يكون شخص متذمر أو فيه روح الطمع، والشبع غير مرتبط بفقر أو غنى "اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ" كما يعلمنا سفر الأمثال. وأقصد هنا الشبع ضد عوامل الاستهلاك. من سمات المجتمعات الاستهلاك في كل شيء حتى استهلاك موارد الطبيعة، كذلك قد يكون هناك استهلاك في البيت ليس له قيمة ويمكن الاستغناء عنها، تربية الشبع وتقليل الاستهلاك، وهناك أشياء نستهلكها تضر بالصحة، فيجب أن نربي أولادنا على روح الشبع روح القناعة وتقليل الاستهلاك، من فضلك ربي البيت في تدبيره الحسن على روح الشبع والقناعة.

 

2. تربية البركة: دائمًا ربّي في البيت روح البركة وكما قال الكتاب "بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا" وكما في معجزة إشباع الجموع كانت كمية الطعام المتوفرة قليلة ولكن عندما باركتها يد الله تباركت وأكل كل الموجودين وفاض منهم، هذه هي تربية البركة أن الله يبارك، ومن التقاليد القبطية أننا نصلي قبل الأكل ونقول "يا رب بارك هذا الطعام" "يا رب نعمة أحفظها من الزوال"، لأن هناك ملايين في العالم لا يجدوا الطعام، وأنت تعيش في بركة الطعام وبركة الماء. ربّي ابنك أن يشعر بموجود البركة داخل البيت، والبركة شكل من أشكال الأمان والإيمان، وعلم أولادك أن لا يكون لديهم العين التي تشعر ببركة ربنا ولا يكون هناك تبذير أو تفريط ولكن هناك بركة الله يضعها في الشيء.

 

3. تربية الوقت: أن يشعر الإنسان بقيمة الوقت "أحرسنا يارب من تسويف العمر باطلًا"، وتربية الوقت مرتبطة بصفة الصبر ويقول لنا في سفر الجامعة "صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ". الله يجعل كل شيء حسنًا في وقته، وهذا معنى تربية الصبر "بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ"، ونحن في زمن عجيب كل شيء بسرعة برغم أن الله خلق الحياة على مفهوم الصبر "الله خلق الريف والإنسان صنع المدينة" الريف زراعي والزراعة تعلم الصبر، وسكن المصريين بجانب النهر وعملوا بالزراعة فعلمتهم روح الصبر ولذلك المصري يتميز بين شعوب العالم بروح الجلد والصبر، ونحن في البيت استغل الوقت في القراءات والهوايات وفي الدراسة وروح العبادة واللقاءات الأسرية اللطيفة كل هذا نسميه تربية الوقت.

 

الخلاصة: أن هؤلاء الثلاث أبعاد (الشبع – البركة – الوقت) هم فكر التربية داخل الأسرة، وأن يعرف كل فرد في البيت كيف يشبع وأن يكون متلامس مع البركة ويقدر قيمة الوقت، ولديه روح القناعة وروح الإيمان، وروح الصبر وكما يقول الكتاب "الْخَيْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ". وهؤلاء هم الخيط المثلوث في التربية (قناعة – بركة – صبر) وعندما ينشئ عليهم أبنائنا يكون بيت ناجح ويقدر أن يقف أمام موضوع الاستهلاك الشديد.