موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠
أندريا تورنيلي يكتب: النظر إلى الآخرين كأخوة وأخوات من أجل إنقاذ أنفسنا والعالم
ما تقدمه لنا وللعالم الرسالة العامة الجديدة للبابا فرنسيس "جميعنا أخوة"؛ حول الأخوّة والصداقة الاجتماعية، محور ما كتبه مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية السيد أندريا تورنييلي
أندريا تورنيلي خلال إطلاق المركز الكاثوليكي في الأردن كتاب البابا فرنسيس "اسم الله هو الرحمة"، عمّان، اكتوبر 2016

أندريا تورنيلي خلال إطلاق المركز الكاثوليكي في الأردن كتاب البابا فرنسيس "اسم الله هو الرحمة"، عمّان، اكتوبر 2016

فاتيكان نيوز وأبونا :

 

بينما تحاصرنا "ظلال عالم مغلق" هناك مَن لا يستسلم أمام تقدم الظلام، ويواصل الحلم والرجاء والعمل من أجل تأسيس أخوّة وصداقة اجتماعية. لقد بدأت بالفعل الحرب العالمية الثالثة المجزأة، ويبدو أن منطق السوق القائم على الربح له الغلبة على السياسة الجيدة، وتبدو السيادة لثقافة الإقصاء، ولا يتم الإصغاء إلى صرخة الشعوب والجوع، ولكن هناك مَن يرشد إلى درب محددة لبناء عالم مختلف وأكثر إنسانية.

 

قبل خمس سنوات، نشر البابا فرنسيس الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" Laudato si، والتي فيها حدد بوضوح الروابط الموجودة بين الأزمة البيئية والأزمة الاجتماعية، والحرب، والهجرة والفقر. وأشار إلى هدف وجب تحقيقه: نظام اقتصادي واجتماعي أكثر عدالة، نظام يحترم الخليقة، يضع في مركزه الإنسان باعتباره حارسًا للأرض، بدلاً من المال المؤلَّه.

 

اليوم، ومع الرسالة العامة الاجتماعيّة الجديدة "جميعنا أخوة" Fratelli tutti، يُظهر خليفة القديس بطرس الطريق الملموس لبلوغ هذا الهدف: اعتبار أنفسنا أخوة وأخوات، وذلك لأننا أبناء نحرس أحدنا الآخر، وحيث جميعنا على المركب ذاته، وهو ما أوضحه بشكل أكبر الوباء الحالي. إنه الطريق للخروج من الاستسلام لإغراء أن يكون الإنسان ذئبًا بشريًا (الأشخاص الذين يتصرفون مثل الذئاب تجاه الآخرين)، ولبناء جدران جديدة، وللعزلة. بدلاً من ذلك، فإنّ هذا الطريق يحمل الأيقونة الإنجيلية للسامري الرحيم.

 

إنّ المسار الذي يدلنا عليه البابا فرنسيس قائم على رسالة يسوع التي تدمّر كل تصور للآخر على أنه غريب. في الواقع، كلّ مسيحي هو مدعو ليكتشف "المسيح في كلّ إنسان، مدركًا إياه مصلوبًا في معاناة المتروكين والمنسيين في عالمنا، وقائمًا في كلّ أخ يقوم من جديد". إنّ الأخوّة هذه هي رسالة يمكن الإصغاء إليها وفهمها وتقاسمها أيضًا من قِبل مؤمني ديانات أخرى، ومن الكثير من الرجال والنساء غير المؤمنين.

 

تقدّم الرسالة العامة الجديدة كملخص لتعليم البابا فرنسيس الاجتماعي، حيث تجمع بشكل منهجي الأفكار التي طرحها في خطاباته وكلماته ومداخلاته طوال السنوات السبع الأولى من حبريته. ومن مصادرها وإلهامها بلا شكّ "وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك"، الموقعّة في 4 شباط 2019 في أبوظبي، مع إمام الأزهر الأكبر أحمد الطيب. من هذا الإعلان المشترك، الذي يعدّ علامة فارقة في الحوار بين الأديان، يكرّر البابا دعوته لأن يكون الحوار هو السبيل، وأن يكون التعاون المشترك هو أسلوب العمل، وأن يكون التفاهم المتبادل هو المنهج والمعيار.

 

ومع ذلك، سيكون من غير المقبول ربط الرسالة العامة الجديدة بالحوار بين الأديان فقط. إنّ رسالة "جميعنا أخوة" تهمنا جميعًا في الواقع. إنها تتضمن صفحات منيرة حتى في المجالات الاجتماعية والسياسية. قد يبدو من المفارقة أن أسقف روما، وهو صوت في الصحراء، هو مَن يطلق اليوم مشروع لصالح سياسة سليمة: سياسة قادرة على استعادة دورها بعد أن تمحورت لفترة طويلة على الشؤون المالية ووهم الأسواق القادرة على توفير الرخاء للجميع بدون حاجة إلى إدارتها.

 

هنالك فصل كامل مكرّس للسياسة من منظور الخدمة وشهادة المحبة، التي تغذيها مبادئ عليا، والتي تخطط للمستقبل من خلال التفكير في الصالح العام، بدلاً من المكاسب قصير الأجل، وهو مستقبل يحافظ على الأجيال الشابة ويضعهم في الاعتبار خاصة. وفي الوقت الذي تنغلق فيه العديد من الدول على نفسها، فإن البابا، على وجه التحديد، يوجه الدعو مرة أخرى إلى عدم فقدان الثقة في المنظمات الدولية، وإن كانت تحتاج إلى إصلاحات كي لا تكون الكلمة للدول الأكثر قوة فقط.

 

ومن بين الصفحات القوية في الرسالة العامة الجديدة، تلك التي تدين الحرب وترفض عقوبة الإعدام. على غرار ما سطرّه البابا يوحنا الثالث والعشرون في رسالته "السلام في الأرض" Pacem in terris، بدءًا من تقييم واقعي للنتائج الكارثيّة التي ألحقتها العديد من الصراعات في العقود الماضية بحياة الملايين من الأبرياء، يذكّر البابا فرنسيس أنه من الصعب جدًا اليوم الحفاظ على المعايير العقلانية التي نضجت في القرون الماضية والتي تبرر إمكانية "الحرب العادلة". كما لا يمكن تبرير اللجوء إلى عقوبة الإعدام، والتي يجب إلغاؤها في العالم بأسره.

 

صحيح، كما يقول البابا، "إنّ الشعور بالانتماء إلى الإنسانيّة نفسها يَضعف في عالم اليوم، في حين أنّ حلم بناء العدل والسلام معًا يبدو كأنه يوتوبيا من عصور أخرى". ولكن هناك حاجة إلى العودة مجددًا إلى الحلم، وإلى أن نحقق معًا هذا الحلم قبل فوات الأوان.