موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٠ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
9 أيلول: القديس بطرس كلافر، الكاهن اليسوعي وشفيع العبيد

إعداد الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

ولد بطرس كلافر في قرية فيردو بالقرب من مدينة برشلونة الاسبانية عام 1580. وهو اصغر إخوته الثلاثة. ولما كان أبوه مزارعًا، عاش أيام طفولته بالريف، يتأمل جمال الطبيعة وعظمة قدرة ‏الخالق. فنَمَت الدعوة في نفسه ببطء كما تنمو الحبة بباطن الأرض. وفي سن الثالثة عشرة، ‏عزم على أن يصير كاهنًا، ليخدم الفقراء ويمنح الأسرار المقدّسة لمن يحتاج إليها.

 

تعرّف بطرس إلى الآباء اليسوعيّين وهو يدرس في جامعة برشلونه، فأحبّ حياتها، وفَتَنَتْه ‏رسالتُهم، وطلب الانضمام إليهم. فوافق الرؤساء على طلبه، وأرسلوه إلى دير الابتداء، وبعد ‏أن أبرز نذوره الرهبانيّة، سافر إلى جزيرة مايوركا ليدرس الفلسفة. وكان الأخ ألفونس رودريغز اليسوعيّ يعيش في تلك الجزيرة ويعمل بوّابًا في مدرسة ‏الرهبنة اليسوعيّة. وكان بطرس كلافر قد سمع أشياء كثيرة عن تقواه وقداسته وإلمامه في ‏الإرشاد الروحيّ. فجعل يتردّد عليه. ويسمع إرشاداته ويدوّنها في كرّاسه الذي لم يفارقه ‏طوال أيام حياته. وعُقدت بين الاثنين صداقة حميمة، فكانا يلتقيان يوميًّا للتحدّث في الأمور ‏الروحيّة. وقد لاحظ الأخ ألفونس اشتياق بطرس للقداسة، ورغبته الشديدة في القيام بأعمال ‏عظيمة لمجد الله الأعظم، فحدّثه عن العالم الجديد، أي القارّة الأمريكيّة المكتشفة حديثاً، عن ‏أعمال المرسلين البطوليّة هناك، وقال له وقتئذ: "إنَّ بلاد رسالتك هي العالم الجديد، وهي ‏رسالة عظيمة. فيا بنيّ الحبيب بطرس، لماذا لا تذهب أنت أيضًا إلى هناك، وتجمع شمل ‏نفوس التائهين لأجل المسيح؟".

 

وشعر بطرس، حين سمع هذا الكلام، بنار تتأجّج في داخله، وصلّى على هذه النيّة ليلي نهار، ‏ثمَّ كتب إلى رئيسه الإقليميّ رسالة طلب منه فيها أن يرسله إلى العالم الجديد . وافق الرئيس على طلب بطرس، وفي 15 نيسان 1610، رست سفينه سان بيير في ‏ميناء كارتاجينا الكولومبيّ . وبدأ يهتم بالعبيد الذين كانوا يخطفون وينقلون من إفريقيا الى القارة الجديدة ، كرس بطرس كلاﭬر لهم حياته كلها ولقب نفسه بخادم الزنوج الدائم . اهتم هذا القديس بغذاء المستعبدين وعلاجهم بسبب ما كانوا يعانونه من الظلم والإهمال ، وغمرهم بعطفه . بشر الوثنيين منهم بالإيمان المسيحي وعلمهم الفضائل الإنجيلية وساعدهم على اكتشاف الحرية الحقيقية التى تنبع من كونهم ابناء الله . قام بإعطاء سر المعمودية لأكثر من ثلاثمائة الف شخص. اجتاح وباء الطاعون مدينة كاراتاجينا والمناطق التي تجاورها، فهبّ الأب كلاڤِر لإغاثة ‏المصابين، غير عابئ بخطورة الإصابة بالعدوى. وإذ كانت حياته كلّها تماثلاً مع المتألّمين، ‏أصيب بالطاعون، ولزم الفراش. وعجز تماماً عن سماع الاعترافات وإحياء القدّاس. وحيث ‏إنَّ آباء الدير انشغلوا في إسعاف المصابين، ومات كثير منهم بهذا الداء، استأجروا له عبدًا ‏ليخدمه. فأساء العبد معاملته، وكان يضربه ويشتمه، ويتناول جزءًا كبيرًا من طعامه، وهو ‏يتحمل ذلك بصمت، ويصلّي إلى الله، فيقول: “لتكن آلامي يا ربّ كفّارة عن خطايا بنيّ البشر ‏تجاه السود المساكين".

 

وساء حاله كثيرًا، فنال سرّ مسحة المرضى. وعَلِمَ سكّان كارتاجينا بالنبأ، حضر آلاف العبيد ‏والأسياد لزيارته. وتوفي الأب كلافر يوم 8 أيلول 1654، وعندما أنتشر في ‏المدينة نبأ وفاة الذي صيرّ نفسه عبدًا من أجل الملكوت، تجمّع العبيد أمام بوّابة الدير، ‏وكانوا يبكون بكاءً شديدًا، ويقرعون صدورهم، ويصرخون بصوت عالٍ: "مات صديقنا الغالي". ‎‎أعلن البابا ليون الثالث عشر الأب بطرس كلافر اليسوعي قديسًا يوم 15 كانون الثاني 1896. وفي سنة 1896 أعلنه نفس البابا شفيعًا للرسالة لدى العبيد. فلتكن صلاته معنا.