موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ مارس / آذار ٢٠٢١
6 أشهر على رحيل الأب فراس حجازين: ذكرى الصدّيق تدوم الى الأبد

أبونا :

 

بمناسبة مرور ستة أشهر على رحيل الأب فراس حجازين الفرنسيسكاني إلى ديار النور، أحيت كنيسة الراعي الصالح للاتين في مدينة أريحا، بالضفة الغربية المحتلة، يوم الأحد الموافق 28 شباط 2021، قداسًا إلهيًا ترأسه كاهن الرعيّة الأب ماريو الحدشيتي الفرنسيسكاني، رفعت خلاله الصلاة لراحة نفس الكاهن الفرنسيسكاني. فيما استذكر كاهن الرعيّة في عظته خصال الأب الراحل: "أُردني الأصل، فلسطيني الهوى، فرنسيسكاني التكريس، بطريركيّ الحب وعالمي الانفتاح".

 

وفيما يلي الكلمة التي ألقتها رئيسة فرقة سيدة فلسطين في أريحا، إليزا جدوع، في ختام القداس:

 

ذكرى الصدّيق تدوم الى الأبد

 

أستشهد برسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيقي: "لا نريد أيها الأخوة، أن تجهلوا مصير الأموات، لئلا تحزنوا كسائر الناس الذين لا رجاء لهم، فنحن نؤمن بيسوع المسيح، الذي مات ثم قام". هذا هو إيماننا، الذي نعلنه بإفتخار، ونحن نتلوا قانون الايمان بأننا نترجى قيامة الموتى، والحياة في الدهر الآتي.

 

بالأمس القريب، كنتُ أتصفح مجلة السلام والخير، فاستوقفتني كلماتكم الدافئة والصادقة، النابعة من قلبٍ موجوع، في رثاء أخيكم الأب فراس حجازين، فهو لم يكن فقيدكم وحدكم، بل كان فقيدنا نحن أيضًا، وفقيد كل من عرفه وأحبه، لقد كان لنا بمثابة الأخ والأبن والأب الروحي، الذي خدم بكل أمانة وإخلاص، كان محبوبًا من الله والناس، مبارك الذكر، فأتاه مجدًا كمجد القديسين، ترك بيته وأهله ووطنه، ليخدم في حقل الرب، وكان نصيبنا في أريحا حصة الأسد إذ خدم هذه الرعية ست سنوات، عشناها معه بحلوها ومرها.

 

إخوتي وأخواتي، إنّ الأب فراس لم يرحل باكرًا كما يُخيّل لنا، نحن نشعر بهذا الشعور فقط لأننا نحبه ونشتاق إليه، لكن في الحقيقة أنّ الأب فراس قد أتمَّ رسالته، فقد قدّم لنا العلم وأسلوب العيش المسيحي والمثال للحياة على خطى المسيح، بالأفعال وليس بالأقوال، قدّم لنا الفكر، وأصبح هو الفكرة، والفكرة لا تموت.

 

لن ننسى مشاركته لنا أفراحنا وأتراحنا، كان عنصرًا فاعلاً، في كل المناسبات الدينية والاجتماعية والترفيهية، كثرت الرحلات الدينية في زمنه، وأدخل البهجة والفرح في قلوب الكبار والصغار في كل الأعياد، كان قريبًا جدًا من الناس، وكل عائلة في رعيتنا، أحبته واعتبرته فردًا محبوبًا من أبنائها. لقد أتقن فن الإصغاء، وكان حريصًا جدًا في انتقاء كلماته، كي لا يغضب أحدًا. لم يبخل في خدمة الآخرين، أو زيارة المرضى في بيوتهم، ومنحهم سر مسحة المرضى والمناولة، على حساب صحته وراحته.

 

لقد أقام علاقة شخصية، مع كل فرد من أفراد الرعية، من أصغر طفل لأكبر كهل، فتراه يلعب ويلون وجهه مع الأطفال ويركع على الأرض قبلهم، ويكون في أول صف اللعب والمرح، ليكسر حاجز الكبرياء بتواضعه اللامحدود. وتراه في مجلس الرجال، الرجل الأكثر وقارًا. أضاء شعلة الحياة والشغف لدى الشباب، ودعمهم بالكشافة والشبيبة والسفر، ومشاركات لقاءات الشبيبة العالمية. دعمهم بعلمهم وهواياتهم وهويتهم، فأوجد هوية حقيقية لشبابنا وأبناء الرعيّة. صقل العديد من الشخصيات، كان يجود من الموجود، ويخصص لكل شخص مساحة، لينميه في المجالات التي يحبها. تراه يرقص ويغني مع الجميع، في الأعراس والمناسبات الاجتماعية والدينية، وتراه يحل المشكلات العالقة، ويخفف وزر المتألمين، حتى أصبح ابناء الرعية في عهده، يتفاخرون أنهم من أريحا بسببه. كان يداري كل شخص بالحب والأمل، كمن يداري وروده بقطرات الندى.

 

عرفناه محبًا كريمًا معطاءً نشميًا، ما من أحدٍ قصده وردَّه خائبًا. استضاف العديد من أبناء رعيتنا في بيته، وبين أهله في الأردن، حتى أننا بتنا نشعر أنه بنى جسرًا روحيًا بين فلسطين والأردن، وأصبحنا جسمًا واحدًا، كشريانيين ينبضان بقلب واحد. لقد كان فرنسيس أسيزي آخر، شعاره: "يا رب استعملني لسلامك، فوضع الحب حيث الكره، والرجاء حيث اليأس، والفرح حيث الكآبة". لقد اختبرنا هذا الفرح الذي ملأ حياته، فضحكاته لم تكن تفارق محياه، ولسانه ينطق بما يفيض قلبه، ونحن كجنود مريم، اختبرنا التزامه واكرامه وحبه لأمنا مريم العذراء، إذ كان مواظبًا على حضور الإجتماع الاسبوعي، لتلاوة المسبحة الوردية، وحثّنا على القيام بأعمال الرحمة، وخدمة المرضى، وتعزية المحزونين، ليطّبق كلام الرب يسوع: "كنت مريضًا فعدتموني، وسجينًا فجئتم إليّ، وجائعًا فأطعمتموني، وعطشانًا فسقيتموني".

 

تنقل من ديرٍ الى دير، كما النحلة من زهرة إلى زهرة، ونثر عبير نذوره الثلاث: الفقر، العفة والطاعة. حمل صليبه حتى النهاية، حبًا بالمسيح،.جاهدَ الجهاد الحسن، وأكمل السعي، وحفظ الايمان. وأخيرًا وُضع له إكليل البرّ. لقد كان الخادم الصالح الأمين، وتاجر بالوزنات، وربح الضعف، فانطبق عليه قول السيد المسيح: "كنتَ أمينًا على القليل، فأقيمكَ على الكثير. أدخل نعيم سيدك".

 

رحمك الله ابونا فراس، نم قرير العين، واحتفل بميلادك الأول، الذي يصادف غدًا (1 آذار) في السماء، مع الملائكة والقديسين، وانعم في حضن أبيك السماوي، فذاك افضل. الرب أعطى، والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا، منذ الأزل وإلى الأبد.

 

 

للمزيد من الصور