موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢١
26 تشرين الثاني: القديس ليوناردو من بورتو ماورتسيـو الفرنسيسكاني

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكانـي :

 

ولد ليوناردو ببلدة بورتو ماورتسيو بإيطاليا عام 1676. كان والده قبطان سفينة ذا خلق مسيحي كريم فربى ابناءه الخمسة على الفضيلة حتى إلتحق ثلاثة منهم بالرهبنة الفرنسيسكانية وإبنة كرست حياتها في أحد الأديرة بعد وفاة والديها.

 

تميّز ليوناردو منذ نعومة أظفاره بالتقوى والعبادة للقربان الأقدس، والإكرام للسيدة مريم العذراء. وعند بلوغه سن الثالثة عشر من عمره أرسله أبوه إلى مدينة روما للدراسة. فتميز بالذكاء والتفوق في علوم الآداب، وبعد ذلك انتمى إلى إحدى الجمعيات وعيّن مدرسًا للتعليم المسيحي للفقراء وقام بهداية البعدين عن الكنيسة، ثم بدأ بدراسة الطب، لكن قلبه كان يصبو إلى ما هو فوق.

 

في يوم من الأيام، وهو عابر بالميدان المسمى "بميدان يسوع"، رأى راهبين متسربلين بملابس رثة ويتعاملان ببساطة مع الجميع، فتبعهما حتى دخلا الكنيسة، فدخل معهما، وكان الرهبان يتلون صلاة الغروب، فجلس يستمع إلى الصلاة حتى وصل إلى تلك الكلمات التي تقول: "أهدنا يالله مخلصنا". فاخترقت تلك الكلمات الإلهية بصيرته. فعزم على اتباع تلك الرهبنة ذات الحياة الصارمة، وقال: "هنا سيكون موضع راحتي".

 

وأسرع إلى مرشده الذي أعلن له بعد فحص ضمير عميق، أن الله يدعوه إلى تلك الرهبنة، وعندما عزم على ذلك وجد معارضة شديدة من عمه، أما والده فقد وافقه على رغبته. ارتدى ليوناردو الثوب الرهباني يوم 2 تشرين الأول عام 1697، ليختبر ذاته ويختبره رؤساءه إن كان أهلاً للحياة الرهبانية. وبعد مرور سنة الإختبار انتقل إلى الدراسات الفلسفية واللاهوتية، حيث انكب بحرارة على الصلاة وممارسة التقشف، وظهرت عليه جميع فضائل الراهب الكامل، مع حرصه الشديد على تتميم أصغر القوانين. وكان يقول لزملائه: "إن كنا ونحن في سن الشباب لا نهتم بالاشياء الصغيرة بل نهملها بإرادتنا، عندما نشيخ ستكون لدينا حرية أكبر ونسمح لأنفسنا بمخالفة نقاط أكثر أهمية".

 

أدخل بين الطلبة اختيار فضيلة لممارستها أسبوعيًا، وكذلك مبادلة الطلبة تنبيه بعضهم لبعض لهفواتهم وعيوبهم، وأن يكون وقت نزهتهم اليومية للحديث في الأمور الروحية. كان يرغب في الاستشهاد في بلاد الصين، ولكن لم تتح له الفرصة فكان يقول: "إني غير مستحق لسفك دمي من أجل المسيح". لم يطلب منه الله يومًا واحدًا ليستشهد له، لكنه كان يريد منه قضاء خمسين سنة من المتاعب والمشقات والتضحيات، فهذا الاستشهاد البطيء لم يكن أقل صعوبة من الاستشهاد الحقيقي ولكنه أقل مجدًا.

 

بعد سيامته الكهنوتية اختير مديرًا للدراسات الفلسفية، لكنه أصيب بمرض السل، وكانت صحته تزداد سوءًا، فنصحه الاطباء بأن يعيش في جو مسقط رأسه. فانتقل الى دير هناك حيث كان زملاؤه يسهرون للعناية به. ولما كان متيقنًا من جدوى العلاج إلتجى إلى إمه مريم العذراء، ووعدها بأن يكرس ذاته للرسالة وهداية الخطأة إن عادت إليه صحته. وبعد زمن قصير زال عنه المرض وعادت إليه الصحة والقوة فتبين إن الله يدعوه لهذه الرسالة. وبدأ يعظ في بلدته حول آلام السيد المسيح، وأخذ ينتقل من الدير إلى القرى القريبة وهو حافي القدمين بالرغم من البرد القارس، وكان يقضي وقته في الوعظ والتعليم المسيحي وقبول الاعترافات.

 

ثم أخذ ينتقل من بلدة إلى اخرى ولمدة اربعين سنة يعظ ويهدي الخطأة ويطفىء نار الحقد ويحرك الفاترين، ولكي يأتي بثمار مطلوبة وضع قانونًا صارمًا له ولزملاته وهو: الصمت الصارم والنوم على الخشب والامتناع عن اكل اللحوم والبيض والالبان. ولمدة ثمانية وعشرون سنة لم يأكلوا السمك. وكانوا يعيشون على الحسنات، وكانت زياراتهم تقتصر على المرضى فقط ولم يجلسوا على مائدة أحد.

 

اهتم ليوناردو بنشر عبادة "اسم يسوع" وتكريم مريم العذراء، وكان كثير الوعظ عن الأنفس المطهرية. ثم أدخل عادة قرع أجراس الكنائس عند الظهر وتلاوة صلاة السلام الملائكي من أجل الخطاة المعاندين، وأقام عبادة "درب الصليب" في أكثر من سبعمائة كنيسة. وكان يقول إن علاج كثير من الشرور يكمن في تلك العبادة، ثم أدخل عبادة السجود للقربان المقدس في الكنائس. كان ليوناردو ينتقل بين البلاد العديدة المتطاحنة ليضع السلام فيها.

 

في شهر تشرين الثاني من العام 1751، وهو عائد إلى روما، أصابه المرض الذي أودي بحياته حيث نال إكليل المجد بعد كفاح دام أربعة وخمسين سنة في الرهبنة. ودفن في دير القديس بونافنتورا حيث كرس نفسه للرب في أول مرة. وأعلن قداسته البابا بيوس التاسع يوم 29 حزيران عام 1867. واعتبره البابا بيوس الحادي عشر شفيع جميع الكهنة الذين يكرسون ذواتهم للخدمة العامة. هذا فخر للرهبنة الفرنسيسكانية التي تعطى لكل الأزمنة رجالاً يتميزون بالقداسة والمعرفة والخدمة. فلتكن صلاته معنا.