موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢١
موارنة قبرص يحلمون بالعودة الى قراهم المهجورة في شمال الجزيرة
موارنة قبرص يزورون كنيسة آيا مارينا في شمال قبرص في قرية آيا مارينا المهجورة بعد أن أصبحت موقعًا عسكريًا بعد الاجتياح التركي للشطر الشمالي من الجزيرة عام 1974، برفقة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومجموعة من المصلّين والكهنة والراهبات، في 4 كانون الأول 2021

موارنة قبرص يزورون كنيسة آيا مارينا في شمال قبرص في قرية آيا مارينا المهجورة بعد أن أصبحت موقعًا عسكريًا بعد الاجتياح التركي للشطر الشمالي من الجزيرة عام 1974، برفقة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومجموعة من المصلّين والكهنة والراهبات، في 4 كانون الأول 2021

أ ف ب :

 

نادرا ما تسنح الفرصة لنينوس جوزيفيديس (68 عاما) أن يزور قريته آيا مارينا الواقعة في الشطر الشمالي من قبرص، كونها تحولت بعد الاجتياح التركي للجزيرة قبل 47 عاما، الى موقع عسكري، ولا يمكن دخولها من دون إذن مسبق. رغم ذلك، يحلم بالعودة اليها يوما.

 

وقال لفريق من وكالة فرانس برس شارك السبت في زيارة نظمتها الكنيسة المارونية الى القرى المارونية في شمال قبرص، "كان منزلي هنا، قبالة الكنيسة. لقد دُمّر. كانت هناك منازل كثيرة هنا".

 

وتكاد كنيسة القديسة مارينا تكون المبنى الوحيد القائم في القرية، حيث يمكن أيضا رؤية مسجد قريب.

 

ويتحدّر القبارصة الموارنة من أربع قرى في شمال الجزيرة هي، الى جانب آيا مارينا، كارباشا وكورماجيتي وأسوماتوس.

 

وقبرص مقسمة منذ العام 1974، بعد أن غزت تركيا ثلثها الشمالي ردا على انقلاب نفذه قبارصة يونانيون قوميون كانوا يريدون ربط الجزيرة باليونان. وعلى الرغم من فشل الانقلاب، لم تنسحب القوات التركية. وفي وقت لاحق، أُعلنت في الشمال "جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها إلا أنقرة.
 

فرّ القبارصة اليونانيون، وغالبيتهم من الأورثوذكس، الى القسم الجنوبي، تاركين أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم. أما الموارنة، وهم أقلية تابعة للكنيسة الكاثوليكية، فبقي قسم منهم في قريتي كورماجيتي وكارباشا، ولو أن عددهم تضاءل على مرّ السنين. لكن قريتي آيا مارينا وأسوماتوس هجرتا بشكل كامل تقريبا.

 

ويقول جوزيفيديس "قريتنا قصفت، فاضطر سكانها الى النزوح. ظنوا أنهم سيعودون في اليوم التالي، لكن هذا لم يحصل".

 

بعد أن فتحت الحدود بين شطري الجزيرة في العام 2003، وجد القبارصة اليونانيون والموارنة الذين عادوا لتفقد ممتلكاتهم، أنها إما مدمرة وإما مصادرة ويسكنها آخرون. أما آيا مارينا وأسوماتوس، فتحولتا الى ما يشبه ثكنتين عسكريتين للجيش التركي الذي يحتفظ بثلاثين ألف عسكري في الشطر الشمالي.

 

وتسمح سلطات شمال قبرص للموارنة بزيارة آيا مارينا خمس مرات في السنة، خلال الأعياد الدينية. ويفترض بكل من يريد المشاركة في هذه المناسبات، تسجيل اسمه لدى السلطات يومين على الأقل قبل الزيارة.

 

السبت، أعطت السلطات إذنا استثنائيا للزيارة بناء على طلب البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قدم من لبنان للمشاركة في استقبال البابا فرنسيس في قبرص. وتحدث البابا خلال زيارته عن"الجرح الذي تتألم منه هذه الأرض"، و"الناتج عن التمزق الرهيب الذي عانت منه في العقود الأخيرة"، داعيا الى حل الأزمة ب"الحوار".

 

ومنذ العام 2014، توقفت المفاوضات التي سعت برعاية الأمم المتحدة الى إيجاد حل لأزمة الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي المقسومة.

 

عند مدخل آيا مارينا، فتّش حاجز لعناصر أمن أتراك بلباس مدني كل السيارات التي دخلت القرية، والتقطوا صورا لبطاقاتهم وجوازات سفرهم.

 

داخل الكنيسة المضاءة بلمبة كهربائية واحدة -بسبب غياب الإمدادات بالكهرباء- وبأشعة الشمس، تسلل الى جانب الزوار الخمسين تقريبا، أشخاص بلباس مدني وآخرون ارتدوا زيًا كتبت عليه كلمة "شرطة" باللغة التركية.

 

وقال البطريرك الراعي داخل الكنيسة حيث أحيا مع الموجودين صلاة صغيرة، إنه "يتابع" "قضية الموارنة القبارصة وكل البلدات المارونية التي تهجّرت، بحملها على المستويات العالمية دائمًا".

"أريد أن أعود"

 

بعد آيا مارينا، توجه الموكب الى قرية أسوماتوس الواقعة على بعد حوالى نصف ساعة الى الشمال. عند مدخل القرية، يأخذ عناصر أمنيون جوازات سفر الداخلين أو هوياتهم، ويردونها عند انتهاء الزيارة.

 

وتسمح سلطات شمال قبرص لأهل أسوماتوس بدخولها كل يوم أحد للمشاركة في القداس الأسبوعي، شرط إبلاغها كل يوم جمعة بالأسماء. ويفترض بالزوار أن يغادروا القرية فور انتهاء القداس.

 

كانت ماريا بارتيلا ستيفاني (71 عامًا) المتحدّرة من أسوماتوس بين الموجودين في القرية السبت.

 

وروت لفرانس برس أن والدتها رفضت مغادرة القرية بعد الاجتياح. "في البداية، كان هناك 120 شخصا. مع مر السنين، مات بعضهم، فيما آخرون انتقلوا الى نيقوسيا، وبقيت والدتي إميليا وحدها".

 

ويروي أهل القرية أن إميليا كانت تصنع خبزا وتبيعه للجنود الأتراك لتعيش.

 

وتابعت ستيفاني "كانت والدتي آخر من عاش من أهل القرية في أسوماتوس. توفيت العام 2015".

 

بعد وفاتها، بدأت القوات التركية تستخدم منزلها لتمارين عسكرية.

 

وقالت إن لها منزلا هي أيضا مع زوجها في القرية. "أنا ولدت وترعرعت هنا وتزوجت هنا. بُني منزلي قبل ثلاثة أشهر من الاجتياح. والآن يحتلّه قائد في الجيش التركي".

 

وأضافت أنيتا، شقيقة ماريا التي تعيش اليوم في منطقة نيقوسيا في الشطر الجنوبي، "أُرغمت على الرحيل (...) وأن أبدأ من الصفر. أُريد أن أعود إلى هذه القرية".

خوف من الزوال

 

وقال مطران قبرص للموارنة سليم صفير لفرانس برس "بالنسبة للموارنة الأصليين، هذه القرى هي حضورهم ووجودهم وبيوتهم وأساس حياتهم"، مشيرا الى أن "زيارة البطريرك مهمة من الناحية المعنوية لإثبات وجودنا هنا".

 

غير أن البعض مثل جوزيفيديس يتخوّف من عدم القدرة على الاستمرار في إثبات الوجود هذا على المدى الطويل.

 

وقال "كلّما جئنا إلى هنا، كلّما زاد حبّنا لهذا المكان. لكنني لا أعلم إلى متى سيستمر هذا. أنا في الثامنة والستين، وابني في السابعة والثلاثين، قد يأتي إلى هنا بانتظام. لكن غيره قد يشعر بالإرهاق من المحاولات غير المجدية".

ويعود الوجود الماروني في قبرص الى القرن الثامن، وكان عدد الموارنة آنذاك ثمانين ألفًا موزعين على ستين قرية. وتراجع العدد في ظل الحكم العثماني، ثم بعد تقسيم الجزيرة. اليوم، لا يتجاوز عددهم السبعة آلاف.

 

في كلمته الترحيبية بالبطريرك في آيا مارينا، قال مختار القرية بارتيليس حاجي فيصل القاطن في الشطر الجنوبي، "الناس الذين يسكنون هذه القرى يموتون يومًا بعد يوم"، مناشدًا إيّاه والبابا فرنسيس "متابعة" ما يقومان به من أجل العودة.

 

وأضاف "إذا لم يتغيّر شيئًا في وضعنا، سيختفي الموارنة في قبرص".