موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
من وحي الميلاد المجيد لدى الأرمن: هل مضى حقًا 2022 سنة على ميلاد المسيح؟

أشخين ديمرجيان :

 

من الأكيد الذي لا يرقى إليه أدنى شك أنّه ما من انسان يعرف بالضبط يوم مولد المسيح ، ولا الشهر و لا السنة ...

 

ومع مرور الزمن انتقل الاحتفال بميلاد المسيح بتاريخ 25 ديسمبر، من روما الى سائر كنائس الشرق والغرب. فصارت الكنيسة الكاثوليكية تُعيّد للميلاد في مثل هذا اليوم من كلّ عام. والكنائس الأرثوذكسية الشقيقة تحتفل بالعيد بحسب تقويمها. والكنيسة الأرمنية في القدس بحسب تقويمها في 18 يناير.

 

ولمّا وُلد المسيح كان أغسطوس قيصر في السنة الثانية والأربعين من جلوسه على العرش. أمّا هيرودس الكبير الذي ولد السيح على زمنه، فكان في السنة الثالثة والثلاثين من ملكه. وهيرودوس هذا لم يكن يهوديا بالرغم من كونه ملك اليهود بل ادوميًا. وميلاد المسيح على زمانه حقّق نبؤة يعقوب: "لا يزول صولجان من يهوذا، حتى يأتي شيلو (المسيح) وتطيعه الشعوب" (تك 49 :10) والمعنى أنّ يسوع المسيح سيأتي عند زوال الملكية.

 

هل مضى حقًا 2022 سنة على ميلاد المسيح كما هو متّبع في العالم أجمع؟ جوابًا على هذا السؤال نقول: أوّل من قام بابحاث جدّيّة عن سنة مولد المسيح، هو الراهب العلاّمة ديونيسيوس (أحسبه أرمنيّ الأصل). وكان نابغة في الفلك، لذلك طلب منه البابا يوحنّا الأوّل سنة 525م أن يؤرّخ الزمان انطلاقاً من ميلاد السيّد المسيح، رافضًا أن تستمرّ البشريّة في التقويم الروماني الوثنيّ الذي يستند على"تأسيس مدينة روما الوثنيّة".

 

وقد اتّخذ ديونيسيوس منطلقًا لبحوثه آية القديس لوقا: "في السنة الخامسة عشرة من ملك قيصر طيباريوس، اذ كان بيلاطوس حاكم اليهودية، وهيرودس على الجليل، و ... وحنان وقيافا عظيمي الأحبار" (لوقا 3: 1). واعتمد أيضًا آية القديس لوقا: "وكان يسوع عند بدء رسالته في نحو الثلاثين من عمره" (لوقا 3: 23).

 

وتبع المسيحيون في العالم أجمع، النتائج التي أدّت إليها أبحاث ديونيسيوس الحسابية، فكان منها التقويم المسيحي المتّبع اليوم في أنحاء الدنيا، والذي يقول بأنّنا أصبحنا في العام 2022 من مولد المسيح.

 

ويؤخذ على ديونيسيوس الراهب أنه لم ينتبه إلى إنجيل متّى حيث يقول أنّ: "يسوع وُلد في بيت لحم اليهودية، على عهد الملك هيرودس" (متّى 2: 1). فكانت نتيجة هذا النسيان أن ديونيسيوس أخطأ في حساباته، ولو تتبّع الأحداث، لوجد أنّ هيرودس مات سنة 4 قبل التقويم الميلادي الذي عمله.

 

كان طلب البابا يوحنا طلبًا شائكًا، نفّذه بعلم كبير الراهب "ديونيسيوس"، الذي من باب التواضع لقّب نفسه "اجزيجووس" أي "الصغير". وكان أوفر رهبان عصره علمًا ومن أكثرهم غيرة وإيمانًا وعبقرية، وما كان عمله سهلاً. لذا، وسط السنوات الكثيرة التي حسبها، قام بغلطة بسيطة جعلته يحدّد موت هيرودس الكبير سنة 753 أو 754 بحسب التقويم الوثني. وفيما بعد تبيّن أنّ هيرودس توفّي سنة 750. والسيّد المسيح وُلد قبل وفاة هيرودس بسنتين أو ثلاث.

 

وهكذا التغى التقويم الوثنيّ وحلّ محلّه التقويم الميلادي. والعلماء مجتمعون اليوم على أن السيّد المسيح وُلد قبل التقويم الميلادي الحالي باربع أو ست سنوات، أي أبان حياة هيرودس الملك. واذن بدل أن نكون اليوم في عام 2022، يجب أن نكون في عام 2026 أو 2028.

 

ويستعصي علينا أن نحسب في أيّ يوم وُلِد المسيح. وربمّا مع تقدّم العلوم يُصبح بإمكان العلماء التوصّل إلى جلاء الغموض. بالنسبة إلى نبوءة دانيال، هو الوحيد بين الأنبياء جميعًا، الّذي حددّ بالضبط  ظهور المسيح وموته.

 

خاتمة

 

يجب الاّ يغرب عن بالنا، أنّ العبرة في الأعياد، ليست في دقّة تواريخها، ولكن في معانيها الإلهيّة ورموزها السرّيّة.

 

ومع الميلاد المجيد الذي يعود كلّ عام، ليذكّرنا جميعًا بأن نبذل جهدًا سخيًا في سبيل كلّ يتيم ومريض وعاجز وبائس لأنّ سعادة كلّ هؤلاء مرهونة بمحبّتنا وسخاء قلوبنا.

 

وعلى أقدامك أيها الطفل الإلهي نضع قلوبنا، متضرّعين أن تتلألأ أنوارك في حياتنا، وتغمر بركاتك جميع المؤمنين، ويُشرق على العالم سلامك. آمين!