موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠٢٣
مرآتي

زينة لوقا كمورا :

 

من منّا لا يملك مرآة واحدة على الأقل في بيته؟ ومن منّا لا ينظر إلى شكلهِ ليرتب مظهرهُ الخارجي؟

 

أذكر جيدًا الأوقات الطويلة التي كنتُ أقضيها في النظرِ والتمعنِ في شكلي أمام المرآة حينما كنتُ أعيشُ فترة المراهقة، فلو كنت قد قضيتُ تلك الساعات الطويلة في دراسة الكتب لكان من المرجح بأن أصبح أول امرأة عربية تسافرُ الفضاء أو لكنتُ قد ملئتُ المكاتب من مؤلفاتي وأفكار قلبي ومُخيلتي.

 

مرآةُ الماضي استُبدلت في وقتنا الحالي بالهواتفِ الذكية (ذكيةٌ بما يكفي، بأن تجعلنا عبيدًا لها ولفتراتٍ طويلة من يومنا) ولكن هذا موضوعُ آخر لفرصةٍ أخرى. هواتفنا اليوم تُعطينا الخيارات الكثيرة من الإضاءة وتقنياتٍ كثيرة تجعلُ من إمكانيةِ التقاطِ الصور الجميلة والتي غالبًا لا تعكس الواقع أمر ممكن جدًا، بل وتزيدُ من هوسِ الانشغال بالشكل الخارجي. المشترك بين الهاتفِ والمرآة هو الفترات الزمنية التي تسرُقها من حياتنا (الواحدة والثمينة) على هذه الأرض.

 

اهتمامنا بالجسد بشكل يُجاري المجتمع حولنا إلى حد كبير لن يُشبع النفس لأنه مؤقت وسيتغير مع تغير الزمن، لأن محاولات عمليات التجميل والتقنيات على الهاتف والوعود التي تُغري روادها، ماهي إلا وعود مؤقتة قد تُصلح من نفسية المرء لبعض الوقت ولبعض الناس. هي قد تغير أيضًا من ملامحنا الخارجية التي نرغب وبشدة أن تبدو أصغر، ولكن ماذا عن محتوى فكرنا وعقلنا ألا نريده أن يتغير أن يتحسن مثًلا؟ في عالمٍ انقلبت فيه الموازين بشكلٍ كبير حتى أصبح معظم سادة القوم (المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي) هم إما أصحاب المال أو أصحاب الشكل الجميل.

 

ماذا عن الجانب الروحي من حياتنا.. هل نعيرهُ اهتمامًا يوازي اهتمامنا بالشكل والجسد؟ ماذا عن مرآتنا الروحية؟ هل نحنُ مقدرين قيمتها؟ هل نلجأ لها لتفحص حياتنا؟ وأين نحنُ في رحلتنا ونمونا وتأثير حياتنا على الآخرين من خِلالها؟ أين نحنُ من كلمة الله (مرآةُ أرواحنا)؟ آه لو أدركنا احتياجنا المُلِح لها لكنّا التهمناها، ولكنّا حفِظناها ليس فقط في عقولنا وإنما في قلوبنا كي تُظهر عملها العجائبي في تغيير تفكيرنا ومبادئنا وأولوياتنا.

 

مرآتنا الجسدية تُخبرنا عما يُعجبنا أو لا يُعجبنا في مظهرنا وشكلِ أجسادنا. وأما مرآتنا الروحية (كلمة الإنجيل) فهي تكشفُ وتنيرُ ما في أعماقنا وضمائرنا والهدف هو لتساعدنا أن نُدرك مدى شقائنا وبؤسنا وهلاكنا دون تدخل الله ليفتدينا ويُعلن لنا عن محبتهِ الأزلية والأبدية لكل شخص فينا.

 

كلمةُ الله حية جدًا فهي تخترق كل ذرة وخلية وزاوية من زوايا قلبنا وفكرنا، ويبقى السؤال هو هل نريد أن تكون كلمة الله هي مرآتنا التي تكشف لنا جهلنا الروحي واحتياجنا المنقطع النظير للحقيقة (حقيقة أنفسنا) بالمقارنة مع الله وبره وليس مع الناس؟ وإذا كان الجواب نعم فحينها فقط سيبدأ الرب معنا رحلة استثنائية تخصُ وتشبهُ كل واحد فينا بشكل فريد لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله. صورة الله ومثاله لا علاقة لها بالشكل، لأن الله روح، ولكن صفاته التي يدعونا بأن نختبرها ونعيشها إذا كنا مستعدين أن ننظر إلى تلك المرآة الروحية أي كلمته.