موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الثلاثاء، ١٨ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
ما المطلوب لتحقيق الرؤى الملكية لدور الشباب والمرأة؟

د. أماني الشوبكي :

 

توّج جلالة الملك الحراك الذي اشتغل في الأسابيع الأخيرة بمسألة تمكين المرأة والشباب وتعزيز حضورهما في المجتمع ومساهمتهما في نمائه وتقدمه، بلقائه عددا من الناشطات والشخصبات النسوية، عقب إقرار مجلس النواب للتعديلات الدستورية التي أقرنت الأردنيات بالأردنيين في نص الدستور.

 

تصريحات جلالته خلال اللقاء، أعطت دفعاً قوياً لصالح المرأة والشباب، وأوصلت رسالة في الوقت ذاته إلى المسؤولين في مختلف مراكز الدولة وللمجتمع بأن تمكين هاتين الفئتين أمر لا يقبل التأخير والتلكؤ أو المعاندة.. إذ أكد الملك أن الشباب والمرأة هما "القوة الرائدة في جميع مسارات عملية الإصلاح".

 

وشدد جلالته خلال لقائه سيدات وشابات في قصر الحسينية الأسبوع الماضي على أهمية تشجيع الشباب على الانخراط في الأحزاب. كما نبه جلالته إلى أهمية العمل على تعزيز ثقافة المجتمع فيما يتعلق بالانخراط في الاحزاب خاصة في المدارس والجامعات وتإكيد دورهم في الحياة الحزبية والسياسية.

 

جريدة الرأي الأردنيّة حاورت عددًا من النساء والشباب، منهم من حضر اللقاء الملكي، حيال مدلولات ومحمولات هذا الدعم الملكي للشباب والمرأة، وناقشتهم في متطلبات تحقيق الرؤية الملكية لدور هاتين الفئتين والدور المطلوب لتمكينهما.

 

 

الدعم الملكي يستوجب إجراءات عملية

 

تؤكد الباحثة في قسم المرأة بوزارة التنمية السياسية د. أماني الريالات أنها تلمس وجود إرادة سياسية حقيقية لتمكين المرأة. وتستشهد على ذلك بما جاء بوضوح في مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، بدءاً من التعديلات على نصوص في الدستور، ومن ثم القوانين الناظمة للحياة السياسية وتحديدا قانونيْ الانتخاب والأحزاب.

 

وتؤشر الريالات إلى التعديل الذي أجري على الفصل الثاني من الدستور بقصد تعزيز تمكين المرأة بإضافة كلمة الأردنيات إليها لتصبح: «حقـوق الأردنيين والأردنيـات وواجباتهـم»، وكذلك الفقـرة (6) التـي تنـص عـلى أن «تكفـل الدولـة تمكين المـرأة ودعمهـا للقيـام بـدور فاعـل في بنـاء المجتمع بمـا يضمـن تكافؤ الفـرص عـلى أساس العـدل والإنصاف وحمايتهـا مـن جميع أشكال العنف والتمييز.

 

وتأمل الريالات بأن تكون هذه التطورات في التشريع باعثة على "المزيد من الإجراءات التي تنعكس بشكل مباشر على حياة المرأة الأردنية وحياة الشباب". وتشدد على أن كل ما سبق "ما هو إلا بداية الطريق، ونحتاج لمزيد من الإجراءات لتمكين المرأة على المستويات كافة، خصوصا وأن تمكين المرأة سيسهم بشكل مباشر في التنمية الشاملة والمستدامة".

 

 

التنشئة السليمة بوابة إحداث التطوير والإصلاح

 

أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط د. سحر الطراونة تقول: إن أي تطوير أو إصلاح في المنظومة السياسية لا بد أن ترافقه -تنشئة سليمة للفئات المستهدفة-، وبما أننا نتحدث عن الشباب فالأولى بـ «المؤسسات التعليمية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الإعلامية بوسائلها المختلفة، أن تقوم بهذا الدور الرئيس".

 

وتبين أن أسس التربية الوطنية يلازمها تنشئة سياسية بالضرورة. لذلك، فإن تمكين الشباب من ممارسة حقهم الدستوري في المشاركة والعمل السياسي يتأتى بـ"تطوير واستحداث مساقات ترتبط بشكل وثيق بتمكين الشباب من المشاركة المرجوة والفاعلة، من خلال بناء قناعات لدى الشباب بأن الانتساب للأحزاب أو الانخراط في العملية الانتخابية، أو الانضمام إلى مؤسسات المجتمع المدني".

 

وتعتقد الطراونة أن «عملية التربية الوطنية» تتم من خلال «تعزيز المشاركة والتنشئة السياسية» التي تسهم في تعزيز الانتماء والتعامل الإيجابي مع القيم والثقافات المختلفة، وبخاصة ما تفرزه العولمة الثقافية، فلا تثير الشكوك حول الذات، بل توظف للصالح العام.

 

أما فيما يتعلق بالتشريعات المرتبطة بتمكين الشباب سياسياً، فترى الطراونة ضرورة أن يسبقها «تهيئة للفئة المستهدفة والبحث عن أسباب عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، والبحث عن حلول، وإيجاد فرص لمواجهة التحديات كافة»، لأن عملية الإصلاح عملية متكاملة غير مقصورة على مجال دون آخر. فالحديث عن «إصلاح سياسي» لا بد أن يرافقه بالضرورة «إصلاح في المنظومة التعليمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية»، وجسر الهوة بين النصوص النظرية والتطبيق العملي ابتداءً، بالسعي لإيجاد اتساق بين المبادىء الديمقراطية كافة، وتحقيق التوازن في هذه المبادىء عند الحديث عن التعديلات الدستورية.

 

 

الأمن الاقتصادي للمرأة أساس التمكين السياسي

 

المديرة التنفيذية لـ«الوطنية لتمكين الأسرة» رانيا حيوك، التي شاركت في اللقاء، استرعى انتباهها التأكيد العميق من جلالته لأهمية دور المرأة في الإصلاح والإشارة "شديدة الوضوح" إلى أن المرأة عنصر مهم وفعال في عملية التغير، وأن الدور الذي تقدمه المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل. وتقول إن جلالته وجّه المؤسسات العاملة مع النساء إلى تعزيز وبناء قدرات المرأة في المجالات كافة لتعزيز من دورها في منظمومة الإصلاح السياسي والاقتصادي.

 

رسائل جلالته، وفق حيوك، تحمل الكثير من الإيجابية بأن القادم سيكون مليئا بالإنجازات والتقدم في مجال المرأة، وأن «علينا مسؤولية كبيرة للعمل والاستمرار في تحقيق مزيد من الإنجازات، وتضافر الجهود مع الحكومة وبقية مؤسسات الدولة بنهج تشاركي لتحقيق زيادة مشاركة المراة والشباب في منظومة الإصلاح السياسية والاندماج في الأحزاب".

 

وتؤشر إلى توضيح جلالته أن الإصلاح السياسي أساسه الإصلاح الاقتصادي وأن علينا أن نضع الخطط المستقبلية لدعم النساء والشباب اقتصاديا وزيادة المهارات اللازمة لدخول سوق العمل. وتشير إلى أن جلالته استمع باهتمام إلى مداخلات المشاركات في اللقاء، التي ركزت على ضرورة أن تدخل مخرجات اللجنة الملكية حيز التنفيذ، خصوصا وأن التعديلات المقترحة تصب في زيادة مشاركة المرأة السياسية ضمن تعديل قانوني الانتخابات والأحزاب. وبناء على حسن تنفيذها سنشهد زيادة في التمثيل النساتي في مجلس النواب.

 

وهي أفصحت أنها خلال حديثها إلى جلالة الملك ركزت على «أهمية إيجاد منظومة أمان للانضمام إلى الأحزاب، لأن هناك تخوفا مجتمعيا من الانضمام للحياة الحزبية» مع ضرورة العمل على «تغيير الثقافة المجتمعية التي هي دورنا في رفع الوعي لدى النساء بأهمية المشاركة".

 

وتؤمن حيوك بأن "الأمن الاقتصادي للمرأة هو أساس ومفتاح التمكين السياسي". لذا؛ تدعو إلى العمل على «زيادة نسبة مشاركة المرأة الاقتصادية وإيجاد فرص عمل في المحافظات لتمكّن المرأة من تحقيق المزيد من المشاركة الفاعلة وإيجاد بيئة آمنة لهنّ تمكنهن من المزيد من المشاركة السياسة الآمنة والفاعلة".

 

 

إجراءات فاعلة تقودها المؤسسات التعليمية

 

الكاتبة وأستاذة اللغة العربية د. جمانة السالم ترى أن تحقيق دور الشباب في عملية الإصلاح المنشود يقتضي الدخول في "إجراءات فاعلة تقودها المؤسسات التعليمية" بهدف تمكينهم. إذ يقع على عاتق تلك المؤسسات غرس مفاهيم المواطنة الصالحة في نفوس طلبتها، منذ المراحل الدراسية الأولى، وصولا إلى الجامعات، وفق السالم.

 

وتقترح السالم أن تبدأ هذه الإجراءات بـ"الوقوف على احتياجاتهم ومطالبهم، ومناقشة أفكارهم وآرائهم، وتوجيه رؤاهم ومطامحهم الوجهة السليمة التي تجلب النفع لهم ولأوطانهم". وتحذر من أن تبقى هذه الإجراءات حبرًا على ورق، وتحض على غرس تلك المفاهيم بحيوية في نفوس الأفراد والمؤسسات من حولهم.

 

كما تقترح أن يجري خلال هذه العملية "الانتقال بسلاسة إلى ترسيخ تشريعات وقوانين ناظمة للعملية التعليمية التعلّمية، في إطار تطبيق أسس الحوكمة الرشيدة، تلبية لتطلعات الشباب، وسعيا لتأهيلهم علميا وعمليا، ورعاية إبداعاتهم، ودعم ريادتهم في المجالات المختلفة، والاستثمار في طاقاتهم، وقدراتهم، ومواهبهم، وتوظيف ذلك كلّه في إطار إحساس بالمسؤولية المجتمعية، يُوظّف له نشاطهم الجسمي والعقلي".

 

وتشير السالم الى الورقة النقاشية الملكية السابعة التي تبقى خريطة طريق للمؤسسات التعليمية في هذا المجال، الذي تدعمه المرأة في مواقعها كافة، أمّاً مربّية، وأختا معطاءة، وزوجة مساندة، وابنة ملهمة، ورفيقة عاملة في مختلف المجالات إلى جوار الرجل، ينهضان معا بالمسؤوليات الملقاة على عاتق كلّ منهما، وعلى وفق ما يسرهما الله له، خدمة للمجتمع، ونهوضا بالوطن.

 

 

الشباب والمرأة يشكلان رافعة حقيقية للإصلاح والتحديث

 

طالبة الدكتوراة عضوة الهيئة الإدارية في «جمعية سند للفكر والعمل الشبابي» صفاء الصمادي تقول إن لقاء جلالة الملك الناشطات شكل رسالة واضحة تنص مضامينها على إيمان وقناعة بالدور الشمولي المتمثل بإشراك جميع مكونات المجتمع الأردني بقيادة العنصر الشبابي والنسائي لتعزيز ودعم عملية الإصلاح المنشود.

 

وتبين أن ذلك انعكس بوضوح في مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية التي انبثقت عن رؤى شبابية واعدة تتوافق مع تطلعات الملك نحو توفير مناخ ملائم لعملية التعديل والإصلاح التدريجي في المنظومة الأردنية المتكاملة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما ينسجم مع التغييرات والتطورات التي تتماهى ومطالب وطموحات المجتمع لمواكبة المستجدات التي يشهدها العالم وإمكانية التكيف مع ديناميكيتها.

 

وتعتقد الصمادي أن "الشباب والمرأة يشكلان رافعة حقيقية لعملية الإصلاح والتحديث". لذلك وجب إدماجهما لتحقيق الإصلاح، الذي يستدعي تفعيل الإرادات الجادة لتحقيق التشاركية الحقيقية بين السلطات الثلاث وتعزيز الدور الرقابي الذاتي عليها بالتزامن مع توافر رغبة حقيقية لدى هذه السلطات للإصلاح بالمجالات كافة. كما تشدد على ضرورة توافر إعلام حقيقي حر يتسم بدرجة عالية من الاستقلالية المالية لضمان تقديم المعلومات والحقائق للجمهور بكل موضوعية.

 

وتؤكد ضرورة عدم إغفال دور المؤسسات التعليمية باعتبارها تشكل اللبنة الأساسية التي يرتكز عليها الإصلاح بأشكاله عبر تنشئة أجيال تعتنق قيم المواطنة ولديها قناعات تامة بأهمية الحفاظ على الحريات وتنمية المنظومة الحقوقية للإنسان، وترسيخ اُسس الحوكمة الرشيدة كعقيدة يتبناها بناة الغد خدمة للمصلحة العامة. وتأمل الصمادي أن تتبنى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية النهج المستنير لسيد البلاد من خلال التضامن والعمل الجاد والتخلي عن الاعتبارات الشخصية التي قد تحجب النور عن الأردن الحبيب الذي نراه بإشراقة جديدة في قادم الأيام.

 

 

وضع سياسة تعزز مشاركة المرأة السياسية

 

الكاتبة المختصة في شؤون الحوار والمصالحة المجتمعية رلى السماعين، إحدى المشاركات في اللقاء مع الملك، تؤكد أنه كان لقاءً مشجعاً وباعثاً على الاستمرار قدماً بلا تردد، وتجديد العزيمة مع الإيقان أن أمامنا وبرغم تحديات كثيرة، سنعمل معاً على تجاوزها ليبقى أردننا قويا وثابتا وشامخا، بمعونة من الله.

 

تطرقت السماعين، أثناء الحوار إلى الإنجازات الكبيرة التي مرّت بها المملكة خلال المئوية الأولى، وفخر الشباب بتحدي الأردن لصعوبات سياسية واقتصادية جمّة شهدتها السنوات السابقة وتحديناها وثبتنا بقوة بسبب محبة الأردنيين لبعضهم بعضا وللوطن وقيادته. الأردن أعطى اهتماما حقيقيا للمرأة في مجالات الحياة كافة، وبالذات بوجودها في الحياة السياسية وبذلك أوضحنا للعالم بأن المرأة الأردنية في السياسة، كما هي في الحياة، مكملة للرجل وغير منافسة له.

 

وتنظر إلى أن وجود المرأة في الحياة السياسية يعني أن تبذل جهدها لتأمين غدٍ أفضل للأجيال مرتكزة بذلك على إنجازات الآباء والأجداد. لذا، وكي نحقق هذا الهدف السامي، تقول السماعين: علينا أن نجدّ في وضع سياسة واضحة توضح وتبرز وجود وعمل المرأة في السياسة تماماً كما جاء في الأوراق النقاشية وتوصيات اللجنة الملكية، بالإضافة إلى تأهيل المجتمع لتقبُّـل وجودهن وإدراك أن أبعاد انخراطهن في السياسة كثيرة وكلها إيجابية على المجتمع. والأهم، بنظرها، "انتقاء الشخصية المناسبة للتمثيل السياسي بمواقعه، مذكرين أنفسنا بأننا دولة تؤمن بالسلام الذي يحافظ على العلاقات الاجتماعية، ويخدم البشرية".

 

أما الناشط الشبابي عدي الحديد فيدعو، بدوره، الحكومات إلى معرفة الاحتياجات الأساسية للشباب حتى نفهمهم ونعمل على تلبيتها أو أخذها بالاعتبار لدى صياغة الخطط والبرامج، باعتبارها متطلبات ضرورية يجب إدراكها من قبل الجميع.

 

ويبين أن الشباب بحاجة إلى توزيع طاقاته في نشاط يميل إليه، وخصوصا أن الشباب لديه طاقات هائلة وعدم تفريغها في أنشطة بناءة يزيد من حالة الاضطراب والملل والتوتر لديه، وزيادة نسبة البطالة تسهم في ذلك التراجع. كما يؤكد ضرورة تحقيق الذات بالنسبة للشباب، بما يعنيه من اختيار حر وواعٍ لدوره ومشاركته المجتمعية وشعوره بالانتماء لفكرة أو مجموعة اجتماعية لها أهداف عامة.

 

ويشدد الحديد على ضرورة تسليح الشباب من المراحل الدراسية الأولى بالمعرفة والتعليم، لما لهما من دور مفتاحي وأساسي في حياة الفرد، ولكونها توسع الأفاق والمدارك العقلية وبناء الشخصية القياديَة الشابة من خلال تنمية القدرات القيادية وصقلها للمواهب الواعدة. وهذه العملية، بتقديره، لا تتم بقرار إجرائي، وفق الحديد، بينما تحتاج إلى سياسات تربوية مدروسة مقرونة بخبرة عمل ميداني تعزز ثقة الشباب القياديين بقدراتهم وتضعهم أمام الاختيار الجدي.