موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ أغسطس / آب ٢٠٢١
ماكرون يزور معالم مدينة الموصل المدمرة ويدعو العراقيين إلى "العمل معًا"

أ ف ب :

 

بعد مشاركته في مؤتمر "التعاون والشراكة" ببغداد، واصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد زيارته للعراق بزيارة "كنيسة الساعة" وجامع النوري بمدينة الموصل التي مازالت تعاني دمارا واسعا بعد سنوات من معارك دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" قبل أن يتوجه إلى أربيل في  إقليم كردستان العراق.

 

وأرغم العديد من مسيحيي العراق، بفعل الحروب والنزاعات وتردي الأوضاع المعيشية، على الهجرة. ولم يبقَ في العراق اليوم سوى 400 ألف مسيحي من سكانه البالغ عددهم 40 مليونا بعدما كان عددهم 1,5 مليون عام 2003 قبل الاجتياح الأمريكي للبلاد.

 

وفي كلمة من "كنيسة الساعة" القديمة التي يرجح بعض المؤرخين أنها تعود لألف عام، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "نحن هنا للتعبير عن مدى أهمية الموصل، وتقديم التقدير لكل الطوائف التي تشكّل المجتمع العراقي". وأشار ماكرون إلى أن "عملية إعادة الإعمار بطيئة، بطيئة جدًا". وأعلن ماكرون عن نية فرنسا افتتاح مدارس وقنصلية في المدينة.
 

وكانت الموصل مركز محافظة نينوى مهد إحدى أقدم الجماعات المسيحية في العالم، تعتبر "عاصمة" تنظيم الدولة الإسلامية الذي احتل لأكثر من ثلاث سنوات مساحات واسعة من العراق. ولا يزال الدمار واضحًا في سوق باب السراي التاريخي والمدينة القديمة، فيما تقول مصادر حكومية في تقديرات إن أكثر من ثمانين بالمئة من بناها التحتية وأبنيتها لا تزال مدمرة.

 

ومن موقع إعادة إعمار مسجد النوري السني الذي دمره التنظيم المتطرف، قال ماكرون "حضوري هنا كرئيس فرنسي هو بمثابة تقديم الاحترام لما مرت به الموصل، والتفريق بين الدين وإيديولوجيا الموت. هو للقول إن المساهمة التي يمكن أن تقدمها فرنسا هنا هي وقبل كل شيء الإقرار بكل مكون من مكونات الشعب العراقي".

 

وتعمل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، بتمويل من الإمارات العربية المتحدة يصل إلى خمسين مليون دولار، على إعادة إعمار المسجد والكنيسة كجزء من مشروع "إحياء روح الموصل". وقال ماكرون الذي زار ليل الجمعة مرقد الإمام الكاظم في العاصمة بغداد "أمس كنت في مرقد شيعي، وسأرى الإيزيديين أيضًا... أعتقد أن المشاكل التي يواجهها العراقيون لا حل لها إلا بالعمل معًا".

وتأتي زيارة ماكرون إلى الموصل غداة مشاركته في مؤتمر ضم مصر والأردن وإيران وتركيا والإمارات والكويت والسعودية، طغى عليه بروز تنظيم الدولة الإسلامية الذي تم دحره في العراق في 2017 وفي سوريا في 2018 بدعم من تحالف دولي بقيادة أمريكية، على الساحة في أفغانستان مع انسحاب القوات الأجنبية.

 

وأعلن ماكرون من بغداد "نعلم جميعا أنه لا ينبغي التراخي لأن تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ لا يزال يشكل تهديدا، وأنا أعلم أن قتال تلك المجموعات الإرهابية يشكل أولوية لحكومتكم". ومن بلد يشهد توترات حادة وتبادل رسائل وتصفية حسابات بين قوى خارجية عدة على رأسها الولايات المتحدة وإيران، قال ماكرون في مؤتمره الصحفي الختامي، إن بلاده "ستبقي وجودا لها في العراق لمكافحة الإرهاب، طالما أراد العراق ذلك أيا كان خيار الأمريكيين"، مؤكدا أنه "لدينا القدرات العملية لضمان هذا الوجود".

 

وتقود الولايات المتحدة تحالفا دوليا في العراق لمكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية"، ويبلغ عدد جنودها 2500، لكنها أعلنت قبل نحو شهر عن نيتها إنهاء "مهمتها القتالية" في العراق بحلول نهاية العام. بالإضافة الى المشاكل الأمنية، يعاني العراق من أزمة سياسية واقتصادية جعلت نسبة الفقر تصل إلى أربعين بالمئة من السكان البالغ عددهم أربعون مليونا.

ويشكو المسيحيون خصوصًا من تمييز وعدم الحصول على مساعدة من الحكومة لاستعادة منازل تعود لهم وممتلكات صودرت خلال النزاع على أيدي مجموعات مسلحة نافذة. فيما يلوح انتهاء "المهمة القتالية" للولايات المتحدة في الأفق مع تحول دور العسكريين الأمريكيين إلى استشاريين فقط بحلول نهاية العام، لا تزال بغداد تواجه عددا من التحديات الأمنية.

 

ويمتلك تنظيم "الدولة الإسلامية" حتى الآن القدرة على شن هجمات ولو بشكل محدود رغم مرور أربع سنوات على هزيمته، عبر خلايا لا تزال منتشرة في مناطق نائية وصحراوية، كالهجوم الذي أودى بحياة ثلاثين شخصا في حي مدينة الصدر الشيعية في العاصمة الشهر الماضي.

 

في أربيل، سيذكر ماكرون سلطات كردستان العراق "بقوة دعم فرنسا في مكافحة الإرهاب"، كما سيلتقي بالزعيم الكردي مسعود بارزاني لتكريم المقاتلين الأكراد (البشمركة). وسيلتقي كذلك عائلة أحد هؤلاء المقاتلين الذي قتل على يد تنظيم "الدولة الإسلامية". ويضم وفد الرئيس الفرنسي الحائزة جائزة نوبل للسلام نادية مراد، إحدى السبايا السابقات لتنظيم الدولة الإسلامية والتي تعرض الآن قضية الإيزيديات على المنابر الدولية، والكاتبة والناشطة النسوية كارولين فورست.

ويقطن الإيزيديون، وهم أقلية ناطقة بالكردية، في مناطق في شمال العراق وسوريا ويعتنقون ديانة توحيدية. وقد تعرضوا منذ قرون للاضطهاد على أيدي متطرفين يتهمون أتباع هذه الديانة بأنهم من "عبدة الشيطان". وعندما سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على الموصل ومحيطها اجتاح الجهاديون منطقة جبل سنجار، وقتلوا الآلاف من أبناء هذه الأقلية وسبوا نساءها وأطفالها.