موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٩ مايو / أيار ٢٠٢١
كنيسة الأرمن الكاثوليك تودّع البطريرك بيدروس: فقدنا أبًا وربحنا شفيعًا في السماء

رافي سايغ :

 

ودّعت كنيسة الأرمن الكاثوليك صاحب الغبطة المثلث الرحمات البطريرك كريكور بيدروس العشرون، كاثوليكس بطريرك بيت كيليكا للأرمن الكاثوليك، وذلك خلال المراسيم الجنائزية التي أقيمت صباح اليوم السبت 29 أيار 2021، في كاتدرائية القديسين غريغوريس المنور والياس النبي، في العاصمة اللبنانية بيروت.

 

وترأس الصلاة الجنائزية المدبّر البطريركي للكنيسة الأرمنية الكاثوليكية المطران بطرس مرياتي، بحضور ديني ومدني حاشد، من بينهم ممثل قداسة البابا فرنسيس سفير الكرسي الرسولي (الفاتيكان) في دمشق الكاردينال ماريو زيناري، وعدد من بطاركة الشرق الكاثوليك، ولفيف من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين، من مختلف الكنائس الشقيقة، وشخصيات عامّة.
 

تصوير: بطريركية السريان الكاثوليك

كلمة المطران أسادوريان

 

وبكلمات مؤثرة ملؤها الرجاء والمحبة، تحدّث المطران جورج أسادوريان، في هذا اليوم الأليم.

 

وقال: "أيها الأخوة والأخوات؛ نجتمعُ اليوم في هذه الكاتدرائية المباركة لنلقي تحية الوداع على روح خادم الرب أبينا البطريرك كريكور بدروس العشرين، بطريرك الأرمن الكاثوليك  لبيت كيليكيا.  وبهذه المناسبة الحزينة، تُريد كنيستنا أن تصلي الكلمات الربانية المذكورة أعلاه بفم مثلث الرحمات غبطة أبينا البطريرك كريكور بدروس العشرون: "أتيتُ من عند الآب وها أنا ذا أمضي إليه".

 

أضاف: "في كلمات هذه الآية المقتضبة  تُختصر معاني الرجاء والتعزية. الرجاء لأننا نتذكر أن هذا العالم ليس سوى معبر من خلالهِ نجتهد ونُحضر أنفسنا للحياة الأبدية، وتعزية لأننا نعرف أن غبطة أبينا البطريرك إذ ترك هذه الفانية، إنما ها هو الآن في أحضان الآب السماوي يتشفع  لنا من عليائه مع أسلافه البطاركة".

 

تابع: "لنتذكر سويًا عظته الأولى بعد سيامته بطريركًا إذ قال: "لمست اليوم حضور الله المتسم بالفرح في حياتي، ليتذكرني أنا في عمري المتقدم هذا لأكون بطريركًا على كنيسة الأرمن الكاثوليك لبيت كيليكيا. لا أعرف كم باقٍ لي من العمر، ولكن أريد أن أوظف أيامي كلها لخدمة كنيستي المقدسة". وفعلاً كرس فترة ترأسه الكرسي البطريركي لخدمة كنيسته بأمانة وإخلاص. العمل الدؤوب والمثابرة كانا من صفات الراحل الكبير. كان لا يترك عملاً غير مكتمل، وكان يشجع جميع من حوله أن يتمثلوا بمثله. ونتيجة هذه الجهد الجهيد كان الازدهار حاضرًا حيثما عمل".

 

وقال: "سنحت لي الفرصة أن اخدم معه كنيستنا في فرنسا، حيث كنتُ شاهدًا لثمار خدمته من حيث الإعمار والتنظيم الإداري. أستطيع اليوم أن أقول ذات الشيء من خلالِ سنوات خدمتي معه كمعاون بطريركي، إذ أشبه العمل معه كخلية نحل لا تهدأ. حيث يستطيع الجميع أن يعملوا بروح العائلة، وبنفس الوقت يشعروا بطيب هذا العمل. فلا يمكننا أن ننسى حجم علاقاته الواسعة، التي وظفها لخير الكنيسة ونموها. وهنا أريد أن أذكر معكم عندما نالت أرمينيا استقلالها عام 1990، كان من السبّاقين للذهاب إلى هناك لإعادة تنظيم شؤون الكنيسة بعد سنوات الشيوعية الجافة. وحينها أيضًا أسس علاقة وطيدة مع بطريرك عموم الأرمن الأرثوذكس الكاثوليكوس وازكين الأول ومع البطاركة الذين خلفوه".

 

أضاف: "أحب الكنيسة من كل قلبه، ولذلك كان يهتم كثيرًا بصلوات الكنيسة والليتورجيا. إذ كان يرى في الليتورجيا روح الكنيسة المتجددة. وحري بنا أن نذكر جهده الكبير مع الدوائر الفاتيكانية في إعلان قديسنا الكبير كريكور ناريكاتسي معلمًا في الكنيسة جمعاء".

 

تابع: "نتذكر أيضًا محبته الكبيرة لكل فقير ومحتاج، خاصة في السنوات الأخيرة الصعبة على لبنانا الحبيب، فلم يوفر أي جهد في مساعدة كل العائلات لتجتاز هذه الأيام البائسة وتعيش بكرامة، وكان هذا العمل بالأخص يعزيه ويمنحه الرجاء في رسالته. وكذلك نستطيع أن نقول عنه أنه كان رجل إعمار، فعلى يديه بنيت المؤسسات الكثيرة وشيدت الكنائس الجديدة في بلدان عديدة، ولا ننسى دوره الكبير مؤخرًا بعد الدمار الذي لحق بالكنائس والمدراس والمؤسسات نتيجة تفجير مرفأ بيروت".

 

وقال: "بعد هذه المسيرة الكبيرة وهذا العطاء الوافر، وبكل أسف أتعبه المرض، ولكن مرضه لم يكن عائقًا أمام خدمته. وكان ومن على الفراش يحمل الحاسوب ويعمل ويدعو لاجتماعات ويدير أمور الكنيسة وسط هذه الظروف الصعبة. واليوم وباسمه أريد أن أردد كلام القديس بولس الرسول حيث يقول: "جاهدت جهادًا حسنًا وأتممتُ شوطي وحافظتُ على الإيمان، وقد أعد لي إكليل البر الذي يجزيني به الرب الديان العادل في ذلك اليوم".

 

وخلص إلى القول: "اليوم يلفنا الحزن والألم برحيل أبينا البطريرك كريكور بيدروس العشرين، ولكن كأنني اسمعه يردد كلمات سيدنا يسوع المسيح: "لا تبكوا عليّ". لا نبكي لأن رحيله عنا إنما هو رسالة جديدة لنا، لنكمل مسيرته ونحن نحمل هذا الإرث الثمين في خدمة الكنيسة وشعبنا الأرمني المؤمن. وهو الآن يشفع لنا مع الطوباوي إغناطيوس مالويان، والقديس كريكور ناريكاتسي وأمنا مريم سيدة بزمار. ليكن ذكره بين الأبرار مؤبدًا. فقدنا أبًا وربحنا شفيعًا لنا في السماء. آمين".

تصوير: بطريركية السريان الكاثوليك

برقيّة البابا فرنسيس

 

وخلال المراسيم، قرأ الكاردينال زيناري البرقية التي وجهها البابا فرنسيس.

 

وجاء فيها: "لقد علمت بخبر عودة أخينا الحبيب في المسيح غبطة البطريرك كريكور بيدروس العشرون غابوريان كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك. أتذكر جيدًا أنه عندما تم انتخابه، في صيف عام 2015، وقبل قبوله، أراد أن يطلب مني بركة خاصة، لكي يتمكن من إدارة الكنيسة البطريركية رغم تقدمه في السن".

 

تابع: "ثم كانت هناك عدة مناسبات للقاء. في 7 أيلول عام 2015، احتفلنا في روما بالإفخارستيا، التي عبّرت عن الشركة الكنسيّة: لقد رفعنا جسد المسيح ودمه معًا، كعلامة واضحة على أن أساس كل خدمة في الكنيسة هو التشبّه بالمسيح المصلوب والقائم من الموت واتِّباعِه. وفي عام 2016، كان معي خلال الزيارة الرسولية إلى أرمينيا، ولاسيما عندما زرت كاتدرائية الكنيسة الأرمنية للمؤمنين الأرمن الكاثوليك في أوروبا الشرقية، في كيومري، ومع إخوتي أساقفة سينودس الكنيسة البطريركية. في عام 2018، بمناسبة تدشين تمثال القديس غريغوريوس ناريك في حدائق الفاتيكان. لحظات عديدة ومميّزة قد سمحت لي أن أكون قريبًا من البطريرك كريكور بيدروس العشرين ومعه من الشعب الأرمني الحبيب، الذي عانى كثيرًا عبر التاريخ لكنه بقي على الدوام أمينًا لإعلان الإيمان بالمسيح المُخلِّص".

 

أضاف: "خلال هذه السنوات، وكراعٍ متنبّه، ترأس غبطته الكنيسة البطريركية لبيت كيليكا للأرمن الكاثوليك، وعزّز اتصالات مع مختلف المؤسسات المدنية والكنسية، من أجل دعم بعض مبادرات التضامني للسكان المُمتَحَنين ولاسيما في سوريا ولبنان. وبشكل خاص، اهتمَّ بفتح دعوى التطويب والتقديس لسلفه المنوّر، خادم الله الكاردينال كريكور بيدروس الخامس عشر أغاغانيان. وخلال المرحلة الأخيرة من حجّه الأرضي، واجه بكرامة الفقدان التدريجي للقوى الجسدية، وبحسِّ مسؤولية تساءل بضمير عما إذا كان لا يزال قادرًا على قيادة الكنيسة الأرمنية كبطريرك: فأجابه الرب داعيًا إياه مرة أخيرة لاتباعه".

 

وختم البابا فرنسيس برقية التعزيّة لكنيسة الأرمن الكاثوليك بالقول: "نسلم روح أخينا هذا إلى رحمة الله، واثقين بأنها ستترافق بصلاة شفاعة والدة الإله مريم الكلية القداسة، والقديس غريغوريوس المنور، والقديس غريغوريوس ناريك مع جميع الشهداء والقديسين الأرمن".