موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
قصة كنيسة العذراء "أم الأحزان".. أقدم الكنائس في جنوب العراق
كنيسة "أم الأحزان" رمز للتعايش المجتمعي في جنوب العراق

كنيسة "أم الأحزان" رمز للتعايش المجتمعي في جنوب العراق

الجزيرة :

 

اعتادت الحاجة أم أمين على إشعال الشموع للسيدة العذراء في كنيسة أم الأحزان، ولم تمنعها ديانتها الإسلامية من التبرك بالسيدة مريم العذراء، حالها حال الكثير من أبناء مدينة العمارة مركز محافظة ميسان (جنوب العاصمة بغداد)، الذين اعتادوا زيارة أقدم كنيسة في المدينة.

 

ولم تكن زيارة الحاجة أم أمين ورفيقاتها وإشعال الشموع بالكنيسة من شواهد تعايش أبناء المدينة فحسب؛ بل تعداها إلى طلب الحاجة وتقديم النذور، وعلق الكثير من أبناء المدينة لافتات شكر الله لقضاء حوائجهم على جدران وأروقة الكنيسة.

 

وتوارث أهل المدينة تقاليد أحيائهم الشعبية في زيارة بيوت الله على مختلف انتماءاتها العقائدية، وتربطهم علاقات أخوية مع أبناء الديانة المسيحية؛ ليرسموا لوحة التعايش السلمي في مدينة تعددت فيها الديانات والمذاهب.

 

كنيسة "أم الأحزان" الكلدانية الواقعة في أحد أحياء مدينة العمارة الشعبية، تعد من أقدم الكنائس في جنوب العراق، وأحد المعالم الأثرية فيها، تأسست في القرن 18، وأتاح لها موقعها أن تكون مركزًا للقاصدين من غير مسيحيي المدينة.

 

"يعود تاريخ بناء الكنيسة بشكلها الحالي إلى عام 1880، بينما يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1831، حيث تم بناؤها على أطلال الكنيسة السابقة، وتعد من أقدم كنائس جنوب العراق بصورة عامة وفي محافظة ميسان بصورة خاصة"، كما يقول راعي الكنيسة الأب جلال دانيال.

ناقوس كنيسة أم الأحزان من أقدم النواقيس في الشرق الأوسط

ناقوس الكنيسة

 

وعن ناقوس كنيسة "أم الأحزان" الأثري، الذي اكتسب سمعة مميزة، كونه من أقدم نواقيس الشرق الأوسط، يقول الأب دانيال "تحتوي الكنيسة على العديد من المحتويات والكتب والمخطوطات الأثرية، التي تعود إلى أجيال وعهود سابقة، منها ناقوس الكنيسة، الذي يعود إلى فترات زمنية قديمة جدًا، ولم أهتد بدقة إلى تاريخ صنعه؛ لكنه -وللأسف- تعطل منذ مدة، وننتظر حلولاً لإصلاحه".

 

ويستقبل دانيال زوار الكنيسة والمهنئين بعيد ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية، من مختلف طوائف المدينة في قاعة استقبال الضيوف، كما تزور العوائل مصلى الكنيسة وتشعل الشموع والبخور؛ لترسم أبهى صور التعايش المجتمعي في المدينة. ويقول "تشهد الكنيسة زيارات بشكل يومي ومتواصل من أبناء المدينة، وتربطهم بإخوانهم المسيحيين علاقات وطيدة جدًا، كما يشاركونا بأعيادنا وأفراحنا على حد سواء".

 

وعن عدد العوائل المسيحية والكنائس في مدينة العمارة، يقول دانيال "هاجرت الكثير من العوائل المسيحية مدينة العمارة بحثًا عن العمل وطلبًا للقمة العيش، ولم يتبق سوى 18 عائلة مسيحية في المدينة، وتوجد فيها كنيستان؛ وهما "أم الأحزان وكنيسة مار يوسف، التي تشغلها بعض العوائل كسكن".

زيارات أبناء محافظة ميسان لكنيسة "أم الأحزان" لا تنقطع

ذكريات جميلة

 

وقدم الكنيسة أكسبها مكانة تاريخية مميزة كونها تعد من المعالم الأثرية البارزة في المدينة، ويحمل جميع أبناء مدينة العمارة ذكريات جميلة معها، كما جعلت منها مادة تاريخية دسمة للمؤرخين والكتاب.

 

"ما زلت أتذكر صوت ناقوس كنيسة أم الأحزان عندما يُقرع، ويدخل صداه إلى كافة بيوت المناطق المجاورة"، يقول الكاتب والباحث صلاح السيلاوي. ويضيف أن "أبناء مدينة العمارة ابتعدوا عن الطائفية، وتعايشوا بسلام على مدى عهود، وعندما تعرضت كنيسة أم الأحزان خلال السنوات السابقة لحريق عرضي نتج بسبب تماس كهربائي، هرعوا لإنقاذها، ونظموا على إثرها حملات لإعادة ترميمها".

 

ويقول السيلاوي إن "حالة التعايش المجتمعي في المدينة لم تكن وليدة الأمس أو اليوم فحسب؛ بل تمتد إلى قرون عديدة امتزجت فيها العلاقات بين الأديان على حد سواء، فعاش في المدينة اليهود والمسيحيون والصابئة المندائية والمسلمون، وما زالت آثارهم شاخصة لغاية الآن".

بناء الكنيسة وطرازها المعماري ما يزال شاهدًا على عمق تاريخها

زيارات أبناء المدينة لكنيسة "أم الأحزان" لا تقتصر على العوائل والنساء فقط؛ بل تعدتها إلى شيوخ ورجال دين المدينة.

 

ويقول الشيخ حسين البهادلي أحد رجال الدين، الذين اعتادوا زيارة الكنيسة، والسؤال الدائم على أبناء الطائفة في المدينة، إن "زيارة الكنيسة، وتفقد إخواننا المسيحيين يأتي تعبيرًا عن عمق العلاقة المجتمعية بين مكونات البلد الواحد، والتعايش السلمي بين أبناء المدينة الواحدة، فالفرحة الغامرة كانت تسود لقاءنا معًا، فغالبًا ما نشعر بلذة حب الوطن عندما يكون هو القاسم المشترك بين مكوناته، وهذا ما تربينا عليه وألفناه من أهلنا".

 

بناء الكنيسة وطرازها المعماري ما يزال شاهدا على عمق تاريخها، ويعزز ذلك شواهد بعض القبور، التي توجد في أحد زواياها، ولم يتبق منها سوى الأطلال.