موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٨ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
زيارة علماء المشرق للطفل المُشرق

أشخين ديمرجيان :

 

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بهذا الحدث التاريخي في السادس من يناير من كلّ عام. جاء المجوس من المشرق، في رحلة طويلة شاقّة من بلاد فارس، بلاد الكلدان الأشوريين الذين يتحدّثون الارامية لغة السيّد المسيح. أتوا إلى مدينة بيت لحم. وهم ملوك كلدانيّون وفارسيون يدرسون حركة النجوم والكواكب وسائر الظواهر الفلكيّة وعلاقتها بأحداث العالم ويتكهّنون بالحوادث المقبلة.

 

وبمجيئهم لزيارة الطفل الوليد تتمّ نبوءة  بلعام عن الميلاد الخلاصي: "أراه وليس في الحاضر، أُبصِره وليس من قريب... يخرج كوكب من يعقوب..." (عدد 24: 17). كما تنبّأ أنّ نجمًا يظهر في السماء يختلف عن سائر الكواكب، وأنّ ظهوره يدلّ على ولادة ملك عظيم يسمو على سائر ملوك الأرض. وأوصى باتّباع هذا النجم المعجز، وتقديم الهدايا للطفل، ذهبًا ولبانًا ومرّاً. وتتوافق نبوّة بلعام مع نبوّة النبي دانيال عن مجيء المسيح بدقّة متناهية (9: 25-26).

 

ولأنّ النبي بلعام ارامي من بلاد ما بين النهرين مثلهم، كان اهتمام علماء المشرق بالنبي بلعام وبنبوءاته شديدا! وحينما قرب موعد ميلاد السيّد المسيح، كان علماء المشرق الأوثان الذين آمنوا بالنبوءات وحفظوها ينتظرون علامة تُخبرهم عن هذا المجيء. كما يعلمون بظهور النجم عند مجيء الملك المخلّص من نبوءات دانيال النبي.

 

لدى مخاطبة الله للإنسان، يتحدّث بأسلوب يُناسب معرفة ذلك الإنسان وثقافته كي يفهمه. "لكلّ مقام مقال" كما يقول المثل العربي. لذلك تحدّث الله عزّ وجلّ مع اليونانيين بالفلسفة ومع اليهود بالنبوءات ومع التلاميذ عن طريق صيد السمك الوفير، ومع سيّدتنا مريم العذراء والقدّيس يوسف والرعاة عن طريق الملائكة. وكلّم علماء المشرق عن طريق النجوم لغة الكواكب التي يفهمونها، فهم يُعِدّون الحقائق العلميّة والفلكيّة فوق كلّ اعتبار بشريّ. لذلك أرسل الله إليهم نجمة مذنّبة تتميّزعن باقي النجوم، ممّا أثار فضولهم واهتمامهم العلميّ، وفهموا من شكل النّجم وزمان ظهوره أنّه يُنبىء عن "مولد الطفل المعجز". وكانت النجمة علامة حاسمة دفعتهم للانطلاق في مسيرة شاقّة، وتبعوها من بلاد فارس إلى الديار المقدّسة.

 

لقد توقّف النجم عن إرشاد العلماء حينما وصلوا إلى الدّيار المقدّسة. لذلك سألوا بعض اليهود، وسألوا الملك هيرودس قائلين: نحن نبحث عن"المولود الملك فإنّا رأينا نجمه في المشرق" (متّى 2: 2). وبهذا تكلّم الله مع اليهود ليعرفوا نبأ ميلاد السيّد المسيح. وحينما وصلوا إلى مدينة بيت لحم، سطع النجم هناك بشكل فريد فوق مكان ولادة الطفل ليُعلن وصولهم. دخلوا بين يديه كي ينالوا بركة الطفل المكتوبة في نبوءة دانيال النبي (4: 2-13): "...كلّم الكلدانيون الملك بالارامية...". وقدّموا للطفل ذهباً ولُباناً ومُرّا (نبوءة بلعام). ومرّة أخرى ما أعجب التدبير الالهي! اذ جاء علماء المشرق الاراميّون لزيارة السيّد المسيح الذي بدوره يتحدّث لغتهم الارامية!

 

طلب الملك هيرودس من العلماء أن يُخبروه عن مكان الطفل اذا وجدوه، كي يؤدّي له الولاء والإكرام! في الحقيقة كان هيرودس يُدبّر مؤامرة يقتل فيها الطفل خوفًا على عرشه. ومن أين لهيرودوس أن يعلم أنّ مملكة هذا الطفل ليست من هذا العالم... وأنّ الطفل هو كلمة الله، وأنّ على يده سيتمّ إعلان ملكوت الله ؟! "وأوحي إلى العلماء في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس، فأخذوا طريقًا أخرى إلى بِلادهم" (متّى 11:2).

 

هكذا يتنوّع الوحي الإلهي إلى البشر طبقًا لظروف ومتغيّرات كثيرة. يكلّمنا الله عبر الأنبياء والرسل والكتب المقدّسة (عبر1:1)، ومن خلال أحداث حياتنا، وعن طريق الطبيعة التي تحيط بنا (رومية 18:1 ومزمور 19:1). أو من خلال أعمالنا ونشاطاتنا وممارساتنا اليوميّة. ويرفض البعض أقوال الأنبياء أو الإصغاء إلى صوت الربّ كما فعل الملك هيرودس، حينئذٍ تكون خسارة المتمرّد عظيمة.

 

 

خاتمة

 

يقول القدّيس أغسطينوس: "البشريّة العاقلة لم تعرف كيف تستقبل الطفل المعجز كما يجب، لذلك انطلقت الطبيعة الجامدة تشهد له بلغتها الخاصة. شهدت له السماوات بالنجم، وحمله البحر إذ مشى عليه (متّى 14: 25)، وصارت الرياح هادئة ومُطيعة لأمره (متّى 23: 27). وعرفه المجوس عن طريق نجم "علامة" قدّمها لهم الربّ.

 

وكلّ عام وأنتم بخير!