موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٣١ مارس / آذار ٢٠٢١
رسالة المطران كريكور أوغسطينوس، أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك، لعيد الفصح 2021
قيامة المسيح برهان على ألوهيته
المطران كريكور أوغسطينوس كوسا، أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك

المطران كريكور أوغسطينوس كوسا، أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك

المطران كريكور أوغسطينوس كوسا :

 

أيُّها الإخوة والأبناء الأحباء، بهذه الكلمات يلتقي المؤمنون صباح يوم القيامة ويصافحون بعضهم البعض معلنين إيمانهم بقيامة السيد المسيح من بين الأموات.

 

في مثل هذا اليوم الأغرّ، وبعد ثلاثة أيام غير مكتملة على صلب السيد المسيح، ذهبت بعض النسوة فَجر يوم الأحد وهُنَّ يَحمِلنَ الطِّيبَ الذي أعدَدنه وقصدن المكان الذي وضع فيه مساء يوم الجمعة - على عجل ومن دون إكرام - فَوجَدنَ الحَجَرَ قد دُحرِجَ عن القبر. فدَخلنَ فلم يَجِدنَ جثمان الرّبِّ يسوع (لوقا ٢٣ : ١ - ٣).

 

نحمد الله على ما أعطانا إياه القديس بولس من تفسير إيمانيِّ وما أظهرَ لنا من أبعاد لاهوتيَّة لمعنى قيامة الرّبِّ يسوع. فهو الذي قال في رسالته الأولى إلى أَهْلِ قورنتس: "وإن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فَتَبشيرُنا باطِلٌ وإيمانُكُم أيضاً باطِلٌ" (قورنتس الأولى ١٥ : ١٤). وهو أول من أطلقَ على الرّبِّ يسوع اسم آدم الجديد مقابل آدم الأول أبي جميعنا. وقد جاءت هذه المقارنة في رسالته إلى أَهْلِ روما، حيث ذكر معصية آدم الأول مؤكِّداً أنَّها أدخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، لتعود الحياة وتدخل إليه من جديد بيسوع المسيح ومعها الخلاص وتغيير وجه الأرض. ذلك أنَّ يسوع قد افتدى البشريَّة بموته وزوَّدها من برارته لتحيا به حياة النِعمَةُ والحق والسلام.

 

ويتابع القديس بولس قوله في رسالته الأولى إلى أَهْلِ قورنتس: "وإذا كان رَجاؤنا في المسيح مَقصوراً على هذه الحياة، فنحنُ أحقُّ جميعِ النَّاسِ بأن يُرثى لهم. كلاَّ! إنَّ المسيحَ قد قامَ من بينِ الأموات وهو بِكْرُ الذين ماتوا. عن يَدِ إنسانٍ أتى الموتُ فعَلى يَدِ إنسانٍ أيضاً تكونُ قيامةُ الأموات، وكما يَموتُ جميعُ الناس في آدم فكذلِك سيحيون جَميعاً في المسيح" (قورنتس ١٥: ٢٠-٢٢). يكلمنا الرسول بولس من خلال هذه الآيات عن أمور ثلاثة وهي: الرجاء والموت والحياة. فنحنُ، أبناء البشر مائتين في آدم أي في إنسانيتنا الفانية، فالموت الجسدي عندنا هو نهاية الحياة.

 

 

المسيح رجاءنا

 

يعلمنا القديس بولس بأن رجاءنا في المسيح إذا كان مقتصراً على هذه الحياة، فإننا أناس يُرثى لهم وقد أصبحنا تُعساء. أي إذا كان المسيح علَّمنا أن نعيش المحبّة والإيمان والرجاء، مقتصراً في تعليمه هذا على الحياة الزمنية التي نحياها دون أي رجاء آخر يتخطى هذه الحياة، فإننا بالتأكيد أصبحنا أتعس جميع الناس. وبمعنى آخر، لماذا أعيش الإيمان، وأحيا المحبّة في التضحية وعطاء الذات، إذا كانت علاقتنا مع المسيح تنتهي عند موتنا! لذلك يقيم الرسول بولس مقارنة بين الموت والحياة، فالموت واقع بشري، أُمّا الحياة فهي حقيقة تتم في المسيح، ذلك أن المسيح قام من الموت، أي منتصراً على الفناء ودخل الأبديّة. فإذا كنا معه في رجائنا، وإيماننا واتحادنا به ندخل نحن أيضاً في الأبديّة أي في الحياة التي لا تنتهي حتى وإن مات جسدنا.

 

 

قيامة المسيح عربون لقيامتنا

 

فقيامة المسيح هي الباب الحقيقي الذي يمكننا أن ندخل فيه، ومعه إلى الحياة الأبديّة، لإنه هو الباب بالذات كما يقول يوحنا الإنجيليّ: "أنا الباب، فمن دخل مِنِّي يَخلُص" (يوحنا ١٠ : ٩)، ذلك "فإنَّ الله لم يُرسِل  ابنَهُ إلى العالم ليَدينَ العالم بل ليُخَلِّصَ به العالم" (يوحنا ٣ : ١٧). فالباب الحقيقي ليس باباً مادياً، أو رمزياً، أو مجموعة قوانين او شرائع، أو مبادئ أخلاقية... الباب الذي ندخل فيه إلى الحياة الأبديّة هو شخصٌ حيّ، هو شخص المسيح يسوع المائت على الصليب والقائم من الموت.

 

فالمسيح القائم من الموت هو الذي يقودنا إلى الحياة الأبديّة، هو الآتي من لَدُنِ الآب ليرفعنا إليه، ذلك لأنه هو الوحيد الذي يعرف من أين يأتي وإلى أين يذهب، على خلاف جميع البشر، إذ لا أحد منهم باستطاعته أن يعرف من أين أتى ولا إلى أن يذهب. وحده يسوع يعرف لأنه هو الحياة، فيقول لنا: "خرجتُ من لَدُنِ الآب، وأتيتُ إلى العالم. أُمّا الآن، فإنِّي أترُكُ العالم وأمضي إلى الآب" (يوحنا ١٦ : ٢٨).

 

طريقنا إلى الحياة الحقيقية تمر بيسوع المسيح، فمن اتحدَ معه دخل إلى الحياة وأُصبّح ابناً له بكُلِّ ما لكلمةِ بنوّة من معنى. هنا ندرك معنى كلام يسوع: "إذا أحَبَّني أحد، حَفِظَ كلامي فأحبَّه ابي ونأتي إليه فَنجعَلُ لنا عنده مُقاماً" (يوحنا ١٤ : ٢٤).

 

أيُّها الأحباء، القيامة هي عيد الحياة مع الله بعد الموت. هي عيد الفرح والسعادة والسلام. هي عيد السماء على الأرض، تجمع ما بين كل الذين على مثال يسوع المسيح، ماتوا معه عن ذواتهم ليقوموا معه إلى حياة الله وتحقيق ملكوته ملكوت العدل والمحبّة والأخوّة.

 

نهنئكم بهذا العيد، ونسأل السيد المسيح القائم من بين الأموات، الذي صالحنا مع الله ومع نفوسنا ومع بعضنا بصليبه المحيي وقيامته المقدَّسة، أن يرفع بشفاعةِ والدته العذراء مريـم الكُليّة القداسة والكاملةُ الطهارة عن العالم وباء كورونا ويمنح الجميع الصحة والعافية لنتابع نشاطاتنا الروحيّة والاجتماعية والتربوية والثقافية والاقتصادية كما كُنَّا عليه سابقاً. ولتكن نعمة قيامته عليكم جَميعاً وعلى بلادنا وشرقنا والعالم أجمع عيد رجاء بمستقبلٍ إنساني مشرق يريده الله لنا ويقدمه هديةً لصانعي السلام من كل جنسٍ ودين. وأن تكون قيامته عُربوناً لقيامتنا وقيامة أوطاننا لغدٍ أفضل.

 

عيد قيامة مجيد ومبارك، وكُلُّ عام وأنتم ومصرنا الحبيبة، ورئيسها ومعاونيه، وجيشنا الباسل، وأسر الشُهداء، والشرق الأوسط والعالم بألف خير.

 

المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور، له المجد أبد الدهور.

 

المسيح قام... حَقَاً قام