موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
حارس الأراضي المقدسة: لبنان يركع ولكنّه لا يفقد الرجاء
في حديث حارس الأراضي المقدسة الذي عاد من لبنان وسوريا، شجب الوضع الخطير للبلدين، الذي يمليه أيضًا النقص التام في الوقود والغذاء

فاتيكان نيوز :

 

إنَّ نقص الوقود يملي الآن قواعد الأزمة في لبنان، المنغمس في انقطاع التيار الكهربائي منذ أسابيع، مع انهيار نظامي الصحة والمياه، وخلال الساعات الأخيرة، مع اندلاع بعض الاشتباكات كما يحدث في بعض القرى الجنوبية بسبب نقص البنزين والديزل. إنه الفصل الأخير فقط في مأساة هذا البلد المنكوب، في خضم الجمود السياسي الذي يمنع الإصلاحات الاقتصادية اللازمة. لقد بلغ التراجع السريع الذي لا يرحم ذروته في 4 آب 2020، مع الانفجار الكارثي في ​​ميناء بيروت، الذي شوّه المدينة كليًا، مأساة أعقبت الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2019، ووباء فيروس كورونا في آذار 2020. وأخيرًا انفجار 14 آب الماضي في الشمال لشاحنة محملة بالوقود وقتل نحو ثلاثين شخصا.

 

ليس لدى الشعب ما يأكله، ورفوف السوبر ماركت فارغة تمامًا، وتكلفة الضروريات الأساسية قد تضاعفت أكثر من خمسة أضعاف، وأكثر من 70% من العائلات تعيش تحت خط الفقر. وصفارة الإنذار الأخيرة أطلقتها منظمة "Save the Children" قبل أيام، وتتعلق بالأطفال، لأنَّ كمية الطعام على المائدة للأطفال في لبنان تتناقص يومًا بعد يوم. اليأس يجري، والرجاء على المحك، لكنه يقاوم وتشهد على ذلك الجماعة الفرنسيسكانية في البلد الذي يواجه المأساة يوميًّا، ولكنه وجد العزاء خلال الأسابيع الأخيرة، في الأول من تموز الماضي، في يوم الصلاة والتأمّل من أجل لبنان بدعوة من البابا فرنسيس، ثم في زيارة حارس الأراضي المقدسة الأب فرانشيسكو باتون الذي عاد خلال الأسابيع الأخيرة إلى لبنان وسوريا بعد توقف فرضه الوباء. زيارة أرادها –كما قال لموقع فاتيكان نيوز– أن تكون علامة قرب وتضامن مع الرهبان والشعب بأسره.

 

قال الأب فرانشيسكو باتون لقد وجدت لبنان راكعًا، لإن حصار النظام السياسي، المبني على توازن بين المكونات المسيحية والمسلمة السنية والمسلمة الشيعية، لم يعد قادرًا على جعل البلاد تعمل، ومن ثم أدت الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة إلى تآكل الرواتب ولم يعد بإمكان المرء أن يعيش من وظيفته. يطلب الناس المساعدة من أجل الحصول على الطعام، ويقفون في طوابير طويلة جدًا للحصول على بعض البنزين، ولم يعودوا قادرين على دفع الرسوم المدرسية لأطفالهم، ناهيك عن النقص الكلي في الأدوية والصحة بشكل عام. وغياب المحروقات للمولدات الكهربائيّة يهدّد في العديد من المستشفيات بموت الذين أجبروا على غسيل الكلى أو الذين يعيشون أجهزة التنفس الاصطناعي.

 

ويشرح حارس الأراضي المقدسة في هذه الحالة، يحاول المسيحيون مغادرة البلاد وتسعى الكنيسة لتقديم التعزية والتشجيع والتحفيز للجميع، بما في ذلك العالم السياسي لكي يجدوا اتفاقات من أجل الخير العام، ويتخطّوا منطق المعارضة ومنطق المصالح الحزبية. وتابع الأب باتون يقول أولاً تسعى الكنيسة إلى تغذية رجاء المسيحيين، وإلا فسيغادرون البلاد، الأمر الذي سيزيد من إفقار النسيج الاجتماعي اللبناني. في هذه المرحلة، من المؤكد أنّه لدى الكنيسة التزام قوي من جانب حالة الطوارئ الاجتماعية، وتعويض أيضًا لأوجه القصور في الدولة، وذلك بفضل دعم جمعية Pro Terra Sancta. لقد عبر حارس الأراضي المقدسة في زيارته البلاد من الشمال إلى الجنوب، من صور إلى طرابلس، وتوقف في العاصمة بيروت، ورأى كيف قام الفرنسيسكان منذ بداية الأزمة بقدر كبير من العمل على مستوى الحوار بين مختلف الطوائف الكاثوليكية ومع المكوّن الإسلامي دون إهمال الخدمة الرعوية التي هي أساسيّة لتعزية الأشخاص. كذلك دعا الأب باتون الرهبان في لبنان وسوريا، لكي يسعوا من أجل إيجاد حلول محلية ويشجّعوا الناس حتى من خلال مشاريع صغيرة لمساعدتهم على تركيب، على سبيل المثال، الألواح الشمسية، لكي تتمكّن العائلات من الحصول على الحد الأدنى من الاستقلالية من حيث الطاقة الكهربائيّة.

 

وما يوضح التناقض اللبناني، هي الكلمات القليلة وإنما الحادة التي قالها الأب باتون عندما تحدث عن أدوية وصلت من سوريا لعلاج راهب مسن في لبنان، لأنه في هذه اللحظة، وراء تلك الـ390 كيلومترًا من الحدود، قد انعكس الوضع حقًا، لأن سوريا، كما يرى باتون، تعيش وضعًا أكثر استقرارًا إلى حد ما، لدرجة أنه أصبح من الممكن السفر مجدّدًا عبر الطريق المهم الذي يربط حمص بحلب، مروراً بحماة. كذلك تابع حاس الأراضي المقدسة يقول يخنق الفقر سوريا التي تعاني أيضًا من نقص الطاقة مقارنة بلبنان، إلا أن الوضع قد تحسن بشكل طفيف، على الرغم من استمرار وجود التضخم، وإن كان بدرجة أقل مقارنة بلبنان. بالتأكيد، طالما أن الوضع لن ينحلَّ على المستوى الدولي، فسيكون من الصعب على البلاد أن تستأنف مسيرتها من جديد. ويضيف باتون أنه على الرغم من أن ثلثي المسيحيين السوريين قد فروا من البلاد، إلا أنه يمكننا أن نرى اليوم القليل من الرجاء. وخلص حارس الأراضي المقدسة حديثه لموقع فاتيكان نيوز آملاً أن يُصار إلى تهدئة، وعملية مصالحة داخلية، وأن يتمكن الاقتصاد من أن ينطلق مجدّدًا من خلال إزالة العقوبات التي تُثقِّل على الناس.