موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ١٥ يوليو / تموز ٢٠٢١
تيغراي: تناحر عرقي و" صراع من أجل البقاء"
أثيوبيون هاربون من النزاع في منطقة تيغراي في مخيم للنازحين على الحدود الإثيوبية السودانية، 24 نوفمبر 2020

أثيوبيون هاربون من النزاع في منطقة تيغراي في مخيم للنازحين على الحدود الإثيوبية السودانية، 24 نوفمبر 2020

أ ف ب :

 

قبل ثلاثين عاما، هرب أسفاو أبيرا سيرا على الأقدام من غرب تيغراي حيث كانت تدور مواجهات بين الجنود الإثيوبيين والمتمردين. لكن في حزيران 2021، أعادته حافلة إلى هذه الأرض التي ما زالت موضع نزاع شرس وأصبحت الآن في قلب الصراع الذي يهز المنطقة.

 

انهمرت الدموع من عيني الرجل البالغ من العمر 47 عاما وينتمي إلى عرقية الأمهرة عندما رأى من جديد حقول السمسم والذرة التي نشأ بينها. كان يحلم بها ليل نهار عندما كان في منفاه في السودان حيث كان يكسب لقمة عيشه من تنظيف دورات المياه في مكاتب في الخرطوم.

 

ونظمت سلطات منطقة أمهرة المتاخمة لجنوب تيغراي، عودته مع آلاف آخرين لتعديل التوازن الديموغرافي في أقصى غرب هذه المنطقة.

 

ويشهد إقليم تيغراي نزاعا حادا أودى بحياة الآلاف ودفع مئات الآلاف إلى حافة المجاعة.

 

وشن رئيس الوزراء أبيي أحمد عملية عسكرية مطلع تشرين الثاني لطرد السلطات المحلية المنشقة المنبثقة عن جبهة تحرير شعب تيغراي، ونزع سلاحها. وقد وعد الأربعاء بـ"صد هجمات الأعداء" بعد هجوم جديد لمتمردي تيغراي.

 

في بداية النزاع، انتهزت قوات سلطات أمهرة الإقليمية انسحاب مقاتلي تيغراي للاستيلاء على هذه الأراضي التي يعتبرونها تاريخيا ملكا لهم. في الأيام الأخيرة، حققت القوات الموالية لجبهة تحرير شعب تيغراي تقدما. فبعدما استعادت عاصمة الإقليم ميكيلي، باتت تستهدف الآن "الغزاة" الأمهرة وشنت هجوما الاثنين لاستعادة "كل سنتيمتر مربع" من تيغراي.

 

 

"باقون"

 

يتواجه الأمهرة والتيغراي منذ عقود حول ملكية الأراضي الخصبة في سهول تيغراي الغربية. وفي المعسكرين يؤكدون أنهم مستعدون للموت دفاعا عنها. وبين هؤلاء اسفاو الذي كان في المجموعة الأولى من 15 ألف عائلة من الأمهرة تخطط سلطات المنطقة لنقلها من السودان.

 

وقال لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع بينما كان جالسا في باحة منزله في بلدة حميراء حيث يعيش مع زوجته وأطفالهما السبعة "يقولون إنهم مستعدون لتدميرنا لكننا باقون مهما حدث... بمشيئة الله حان وقتنا الآن". غادر الرجل المنطقة سرا مطلع تسعينات القرن الماضي عندما كانت جبهة تحرير شعب تيغراي على وشك الاستيلاء على السلطة في إثيوبيا حيث هيمنت على السياسة الوطنية لمدة 27 عاما.

 

وقامت الجبهة بإعادة تقسيم البلاد إلى تسع مناطق إدارية أدت إلى إلحاق مدن في شمال غرب البلاد بينها حميراء بمنطقة تيغراي التي شُكلت حديثا. واعتبر الأمهرة ذلك استيلاء وحشيا على الأرض. لكنهم لم يتحركوا بسبب ترهيب كبير تعرضوا له.

 

إلا أن العديد من الأمهرة في غرب تيغراي يتذكرون بمرارة أيام جبهة تحرير شعب تيغراي ويتحدثون عن شعورهم بالخوف من التكلم بلغتهم في الأماكن العامة. ومعظم قادة الأمهرة الذين كانوا يكافحون من أجل التغيير وخصوصا الذين يطالبون بحكم للأمهرة، كانوا يسجنون في أغلب الأحيان.

 

 

حياة جديدة

 

مع وصول أبيي أحمد إلى السلطة في 2018 تم تهميش قادة جبهة تحرير شعب تيغراي. وتحول الاستياء العميق بين السلطات الجديدة والقديمة إلى مواجهة مسلحة مطلع تشرين الثاني بمعارك أولى في حميراء وحولها. وفي المناطق التي اتخذت فيها قوات الأمهرة مواقع بعد انسحاب الوحدات المؤيدة لجبهة تحرير شعب تيغراي، قامت بتدمير نصب الجبهة واحتلت معسكراتها.

 

وفتحت السلطات فروعا محلية هناك لتحصيل الضرائب وإدارة المدارس حيث يمكن للأطفال الدراسة باللغة الأمهرية. كما قامت بتوزيع أراض ومنازل لآلاف الأمهرة القادمين من مناطق أخرى في إثيوبيا أو، مثل أسفاو، من الخارج. وبين هؤلاء أيضا سيوم بريهون الذي يشعر بالسرور لهذا التحول. وقال هذا المزارع "بدأت أعيش الآن. ومع أنني أبلغ من العمر 58 عاما، أعتبر حياتي القديمة فشلا. الآن بدأت حياة جديدة. لا أبالغ".

 

 

اتهامات بتطهير عرقي

 

مع تدفق الأمهرة فر المدنيون التيغراي بعشرات الآلاف إما غربا إلى السودان أو شرقا إلى داخل تيغراي.

 

وكان النزوح الجماعي ضخما إلى درجة أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين أشار إلى "أعمال تطهير عرقي".

 

وينفي حكام أمهرة ذلك بشكل قاطع لكنهم يقولون إن المنطقة ليست جزءا من تيغراي وإن الأمهرة سيحكمونها في المستقبل. وخلال زيارة قام بها مؤخرا صحافيو فرانس برس، أرسل مسؤولون محليون مدنيين من التيغراي بقوا في المنطقة، ليؤكدوا أنه لم يتم إجبار أحد على الرحيل.

 

ويوضح تسفاي ولديجبريل (67 عاما) أنه كان خائفا على حياته في بداية القتال في تشرين الثاني/نوفمبر. لكنه يؤكد أن مسؤولي أمهرة أكدوا له أن بإمكانه البقاء مشيرا إلى أن الذين غادروا كانوا على صلة بجبهة تحرير شعب تيغراي.

 

وقال "عندما ترحل حكومة وتأتي أخرى يجب أن نرحب بها بفرح".

 

وتتعارض هذه الرواية للأحداث مع العديد من الروايات عن عمليات الطرد العنيفة التي سقط فيها قتلى في كثير من الأحيان في هذا الجزء من تيغراي.

 

وينفي قادة تيغراي هذه الرواية. وقال رئيس حكومة تيغراي قبل الحرب ديبريتسيون جبريمايكل مؤخرا إن "أولئك الذين نهبوا ممتلكات حكومة تيغراي والأفراد ورجال الأعمال يجب أن يعيدوها بسرعة وإلا فإننا سنفعل ذلك".

 

ومع وصول جنود فدراليين إلى غرب تيغراي، يستعد قادة الأمهرة للمواجهة.

 

ونشر رئيس حكومة إقليم أمهرة أجيجنهو تيشاغر هذا الأسبوع تفاصيل حسابات بنكية لمن يرغبون في تمويل الأعمال الحربية المقبلة ضد جبهة تحرير شعب تيغراي. وقال إن المعركة لن تكون أقل من "صراع من أجل البقاء".