موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٤ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢١
توجيهات رعويّة مسكونيّة للكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المقدسة
لتوجيه العلاقات المسكونيّة، وتوفير الإرشادات الملزمة في بعض الحالات

أبونا :

 

أصدر مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة في الأردن المقدسة "توجيهات رعويّة مسكونيّة".

 

وقال المجلس بأنّ هذه التوجيهات الرعويّة تهدف إلى "إضاءة، وتحفيز، وتوجيه العلاقات المسكونيّة للكنيسة الكاثوليكية في الأرض المقدسة، وفي الوقت نفسه إلى توفير الإرشادات، الملزمة في بعض الحالات، وفق تعليم وقواعد الكنيسة الكاثوليكية في الأرض المقدسة. وهي لا تهدف إلى أنّ تحلّ مكان هذه التعاليم، بل إلى تطابقها مع السياق الكنسيّ المحليّ".

 

وأشار إلى أنّ هذه التوجيهات قد صادق عليها عليها مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المقدسة، وبالتالي فإنها تنطبق على جميع الكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المقدسة (فلسطين، إسرائيل، الأرددن، قبرص)، وهي تتناول بشكل خاص المشاركة في حياة الأسرار، لما تستدعيه هذه القضيّة من اهتمام خاص. على أن تُستكمل في مرحلة لاحقة مجالات أخرى كالتنشئة المسكونيّة والمدارس والمؤسسات الخيريّة ورعوية الشبيبة...
 

التاريخ والواقع

 

يتناول القسم الأول من التوجيهات الحضور المسكوني في الأرض المقدسة، حيث تُوضح بأنّ القدس هي صورة حيّة ومصغّر للكنيسة في العالم كله، بما فيها من غنى وتنوّع اللغات والثقافات والتقاليد، بحيث يشّكل هذه التنوّع غنى حقيقيًا للكنائس، لأنّ كل تقليد يقارب سر الله.

 

وتشير إلى أنّ هذا التنوّع قد تحّول إلى انقسامات مهمّة على مرّ التاريخ، وقد حملت الكنائس هذه الانقسامات معها إلى الأرض المقدسة في أوقات معينة، وبالتالي ورثت العلاقات المسكونيّة "أعباء التاريخ السلبية". إلاّ أنّه حدث في العقود الأخيرة تقدّم ملحوظ في العلاقات المسكونيّة؛ كحج البابا بولس السادس إلى الأرض المقدسة عام 1964، الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة الصعبة التي عملت على بداية تنسيق الكنائس فيما بينها، وأعمال الترميم في كنيسة القيامة والتي ساهمت في خلق أجواء من التفاهم المتبادل والثقة.

 

أما عن العلاقات بين المؤمنين أنفسهم، فتشير ورقة التوجيهات إلى أنّ الوضع "مختلف تمامًا"، وترّد ذلك "إلى وعيهم، نظرًا لعددهم القليل في مجتمعهم الواسع، بأنهم لا يستطيعون إلا معًا تأمين مستقبلهم في هذه المنطقة، وتوفير شهادة لها مصداقيّة، وخدمة لها معنى لشعبهم"، بالتالي "فهم يعيشون جنبًا إلى جنب بشكل عفوي". كما أنّ "الزيجات المختلطة هي جانب لا ينفصل عن حياتهم العائليّة. وقد يصلون إلى حد القول أحيانًا إنهم متّحدون، وإن الانقسام هو فقط شأن رجال الإكليروس".

 

وتضيف: "نتيجة لهذا الواقع من العيش المشترك على صعيد القاعدة الشعبية، يميل المؤمنون إلى تجاوز الحدود الطائفيّة في الحياة الكنسيّة والنشاطات، وحتى في الحياة الليتورجيّة وممارسة الأسرار. فهم يعرّفون أنفسهم عفويًا بأنهم مسيحيون، بينما يميل رجال الإكليروس إلى تعريف أنفسهم وفق المقاييس الطائفيّة". ومع ذلك، "يمكن أن نلاحظ أيضًا، في بعض الأماكن، الميل من جديد إلى تأكيد الهوية الطائفيّة، بما فيه من انكفاء حصري على الجماعة الخاصة ومن موقف عدائي تجاه الفئات الأخرى، والذي يمكن أن نرى فيه نوعًا من أنواع الأصوليّة".

تعاليم الكنيسة الكاثوليكية

 

في القسم الثاني، تقدّم التوجيهات بعض النصوص الرسميّة للكنيسة الكاثوليكية حول الشأن المسكوني.

 

فتقدّم أولاً المراجع الأساسيّة لوثائق المجمع الفاتيكاني الثاني: دستور عقائدي في الكنيسة، قرار في الحركة المسكونية، وقرار في الكنائس الكاثوليكية. كما تورد العديد من التعاليم المجمعيّة التي شُرحت وطُوّرت في وثائق رسميّة لاحقة، كالقسم الثاني من المخطط الرعوي الصادر عن السينودس الأبرشي للكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المقدسة عام 2000، على سبيل المثال لا الحصر.

 

كما تشير ورقة التوجيهات الرعوية إلى أهميّة أن "يُلّم جميع الأساقفة والكهنة، وكذلك جميع الرهبان والراهبات وكلّ العلمانيين الملتزمين بالعمل الرعوي، إلمامًا جيدًا بالمبادىء اللاهوتيّة والكنسيّة التي تعتمد عليها هذه التوجيهات الرعوية"، بحيث يساعدهم هذا الإلمام على الإدراك بأنّ "التوجيهات ليست مجرّد تعليمات عمليّة وُضعت بطريقة عشوائيّة، ويُمكن تعديلها وفق مشيئة، إنما هي توجيهات يجب التقيّد بها بأمانة، من منطلق حافز شخصي". وهنا تسرد المبادىء اللاهوتيّة والكنسيّة حول الشأن المسكوني.

 

وحول المشاركة في النشاطات والموارد الروحيّة، فتُشير ورقة التوجيهات إلى أنّ "درجة إمكانيّة مثل هذه المشاركة ترتبط بدرجة الشركة الحاصلة وغير الكاملة في الإيمان وحياة الأسرار. فبالنسبة إلى العلاقات المسكونيّة، خاصة في الحياة الليتورجيّة، فمن الأهميّة بمكان التمييز، من جهة، بين العلاقات بالكنائس الأرثوذكسيّة (الأرثوذكسيّة البيزنطيّة والأرثوذكسيّة الشرقيّة)، وبين العلاقات، من جهة أخرى، بالكنائس والجماعات المنبثقة عن إصلاح القرن السادس عشر.

علاقات مسكونيّة رعوية

 

يُعنى القسم الثالث بالمشاركة في حياة الأسرار مع أبناء الكنائس.

 

بدايةً، تُشجّع ورقة التوجيهات المؤمنين "على ممارسة إيمانهم وحياة الأسرار في كنائسهم الخاصة، وعلى تجنّب كلّ ما يمكن أن يُفسّر على أنه اقتناص". وفي الوقت عينه، تؤكد أنّه "لكل مسيحيّ الحق، لأسباب ضميريّة دينيّة، أن يقرّر بحرية انتماءه أو انتماءها الكنسيّ". كما تشير إلى أهميّة "التمييز الدائم والواضح بين المشاركة في العبادة الليتورجيّة غير الأسراريّة، وبين حياة الأسرار، خاصة الإفخارستيّة".

 

من ثمّ، تقدّم الورقة توجيهات حول المشاركة في حياة الأسرار مع أبناء الكنائس الشرقيّة أو الكنائس الشرقيّة الأرثوذكسيّة، ومن بينها: يسوغ للكهنة الكاثوليك منح أسرار التوبة والإفخارستيّة ومسحة المرضى لمؤمني الكنائس الشرقية، إذا طلبوا ذلك وكانوا على استعداد لائق. كما أنّه على المسيحيين الأرثوذكس احترام نظام الكنيسة الكاثوليكية، فعلى سبيل المثال، يجب ألا يمنح كاهن كاثوليكي المناولة للأطفال الأرثوذكس، تمامًا كما أن المناولة لا تُمنح للأطفال الكاثوليك في الكنيسة اللاتينيّة. كما يسوغ لمؤمن شرقي، لسبب مُحق، أن يقوم بمهمة العرّاب، بمعيّة عرّاب كاثوليكي أو عرّابة كاثوليكية في معمودية طفل أو بالغ كاثوليكي. كذلك، يجوز لمسيحي ينتمي إلى كنيسة شرقيّة أن يكون شاهد زواج في كنيسة كاثوليكية.

 

وتورد الورقة أيضًا توجيهات رعوية حول المشاركة في حياة الأسرار مع المسيحيين المنتمين لكنائس أو جماعات كنسيّة أخرى. ومن بينها: "في حالة خطر الموت، يجوز للكهنة الكاثوليك أن يمنحوا أسرار التوبة والإفخارستية ومسحة المرضى لأعضاء كنائس أو جماعات كنسيّة أخرى، بشرط ألا يتمكّن هذا العضو من اللجوء إلى هذا السرّ من خادم كنيسته أو كنيستها أو جماعته أو جماعتها الكنسيّة، وأن يطلب السرّ بمبادرته أو مبادرتها الشخصيّة، وأن يُعرب عن إيمانه بهذا السرّ، وأن يكون مستعدًا له استعدادًا لائقًا".