موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢١ ابريل / نيسان ٢٠٢١
تأملات البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الرابع للزمن الفصحي، السنة ب

البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين :

 

(يوحنا ١٠: ١١–١٨)

 

تُشير صورة الراعي الصالح في العهد القديم في المقام الأوّل إلى الله. فهو الّذي قاد شعب العهد القديم خارج مصر، وسار أمامهم، وغذّاهم واعتنى بهم، وجعلهم ينمون ويكثرون.

 

وحتّى الرعاة، وقادة الشعب ورؤساء والكهنة، كانوا يُقارَنون غالباً بالرعاة: كان عليهم أن يُحيطوا الشعب بنفس العناية والرعاية الّتي قدّمها الرب لشعبه.

 

ولكن لم يكن هذا هو الحال دائماً. وغالباً ما اختبر إسرائيل، خلال مسيرته، رعاةً أشرارًا رعوا أنفسهم بدلاُ من أن يرعوا الخراف.

 

والرب نفسُه هو الّذي يُؤنّبهم ويدينهم: “ويل لرعاة إسرائيل الذين يرعون أنفسهم. أليس على الرعاة أن يرعوا الخراف؟ إنكم تأكلون الألبان وتلبسون الصوف وتذبحون النعجة السمينة، لكنكم لا ترعون الخراف. الضعيفة لم تقوّوها والمريضة لم تداووها والمكسورة لم تجبروها والشاردة لم تردّوها والضالة لم تبحثوا عنها، وإنما تسلطتم عليها بقسوة وقهر. فأصبحت الخراف مشتتة من غير راع، وصارت مأكلا لجميع الحيوانات البرية وهي مشتتة” (حزقيال ٣٤: ٢- ٥).

 

إنّ هؤلاء رعاة أشرار، وبسببهم يُعلن الربّ أنّه سوف يستعيد قيادة الشعب بنفسه ليُعطيه الحياة: “لأنه هكذا قال السيد الرب: هاءنذا أنشد خرافي وأفتقدها أنا” (حزقيال ٣٤: ١١).

 

في الفصل العاشر من بشارة يوحنا، ونحن نقرأ منه اليوم الآيات ١١ حتّى ١٨، يعرّف يسوع نفسه بالراعي الصالح، أو “الراعي الحسن” وفقا للترجمة الحرفية.

 

لماذا يسمي يسوع نفسه الراعي الصالح؟

 

أوّلاً، لأنّه يمنع الذئب من اختطاف الخراف وتشتيتها (يوحنا ١٠: ١٢). وهذان هما الخطران الكبيران اللذان يُهدّدان الخراف: خطفها وتفريقها.

 

يتكرر الفعل خطف مرتين أخريين: في الآيات ٢٨ و٢٩، حيث يقول يسوع أن الخراف محفوظة بين يديه ويدي الآب، وأنه لا يمكن لأحد أن يختطفها من يَدَيْه.

 

يريد الذئب اختطافها، أي أن يجعلها ملكه، وأن يفكّ علاقتها بالراعي. يريد قطع العلاقة الجيدة القائمة بين الخراف وراعيها.

 

ومن ثمّ يريد تفريقها: يهدف الذئب إلى تشتيت الخراف وشرذمتها، بحيث لا تعود قطيعاً واحدًا بعد ذلك، بل خرافا متفرّقة، يسير كل منها في طريقه الخاصّ.

 

عندما تفشل العلاقة مع الراعي، تكون النتيجة الحتميّة أن تفشل العلاقة بين أعضاء القطيع أيضاً: لا يعود هناك أي شخص قادر على توحيدها.

 

في فصل لاحق، هو خطاب الوداع، سيستخدم يسوع هذا الفعل مرّة أخرى، وسوف يقول أنّه خلال آلامه سيتفرّق التلاميذ، كلّ واحد منهم يهتم بنفسه، وسوف يتركونه وحيداً (يوحنّا ١٦: ٣٢): وسوف يبدو، للحظة ما، أنّ الذئب قد نجح في هدفه.

 

لا يقدر الأجير البسيط أن يُنقذ الخراف من هذين الخطرين: فالأجير لا يهتم بالقطيع، وليس له علاقة انتماء وصداقة مع الخراف. وفي مواجهة الموت، لا يعرّض حياته للخطر.

 

إن كان الذئب يخطف ويشتّت، وإن تخلّى الأجير عن مكانه، فإن الراعي الصالح، على العكس من ذلك، يعرف الخراف ويجمعها (يوحنا ١٠: ١٤ و١٦).

 

إنّ كلمة “يعرف” هي مرادف لكلمة “يحبّ“، وتتحدث عن علاقة وثيقة، حميمة وعميقة: نحن نعرف معرفة حقيقيّة فقط ذاك الّذي نحبّه.

 

وهنا يُعبّر يسوع عن رغبته في أن تكون بينه وبين تلاميذه نفس علاقة الحب الحميمة القائمة بينه وبين الآب: إنه الراعي الصالح لأنه يريد أن يقودنا إلى علاقة جميلة مع أبيه. إنه يعلم أن لا شيء آخر يمكن أن يُغذّينا ويجعلنا نعيش، إن لم يكن هذا.

 

هو أيضا الراعي الصالح، لأنّه لا يعتني بعدد صغير من الخراف فقط، أو بالأشد قربا، أو بأفضلها فقط: فلديه دائماً “خراف أخرى” (يوحنا ١٠: ١٦) يعتني بها، ويرعاها، ويجمعها، كي تُشكّل جميعها رعيّة واحدة.

 

الخلاص الذي يقدمه على وجه التحديد هو التلاقي معا: إنّه ليس علاقة فردية وحصرية معه، بل شركة تَضمّ الجميع، وتهدف إلى توسيع الحدود وتنمية الصداقة التي تجذب الجميع.

 

من المثير للاهتمام أن يسوع لا يتكلم عن حظيرة واحدة، بل عن قطيع واحد، يكون في حالة إصغاء إلى كلمة الخلاص الوحيدة (يوحنا ١٠: ١٦). هذا هو الأمر الذي يوحّد ويجمع.

 

وكي يحدث كلّ هذا، يبذل يسوع حياته (يوحنّا ١٠: ١٧).

 

ينبغي أن نوضح أنه هو الذي يبذل حياته: ولا ينتزعها أحد منه. ولا يقدّمها لأي سبب آخر إن لم يكن للحب الذي يوحّده بالآب، وإن لم يكن للرغبة العظيمة في أن تكون العلاقة مفتوحة للترحيب بكلّ إنسان.

 

وعن طريق هذه الحركة، وهي بذل الحياة في المحبّة، يستطيع يسوع أن يستعيد الحياة مرة أخرى: سوف يستعيد علاقته مع الآب، الذي يحبّه، لأنه بذل حياته (يوحنا ١٠: ١٧).

 

وسوف يلتقي بإخوته مرّة أخرى، أي بنا نحن الّذين أنقذنا وانتزعنا من يديّ عدو أراد اختطافنا. وسوف يقودنا الراعي الصالح إلى شركة عميقة وحقيقية مع الآب: خلفه وعلى مثاله.