موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢١
بَربارة بالقداسة معطّرة: إنّ جسدي سيموت أمّا روحي فخالدة!

أشخين ديمرجيان :

 

في الرابع من كانون الأوّل من كلّ عام، تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بعيد القدّيسة بربارة، وفي السابع عشر منه تحتفل شقيقتها الكنيسة الأرثوذكسية بالعيد. ويعود الاختلاف بالتواريخ إلى الاختلاف في التقويمين الشرقي والغربي.

 

وجرت العادة التي توارثناها جيلاً بعد جيل إلى أكل القمح المسلوق مع مكوّنات أخرى يوم عيد القديسة بربارة، تكريمًا لها وطلبًا لأدعيتها. ويرمز ذلك إلى القمح المسلوق الذي كانت تقتات به بربارة في فترة حصارها الشديد، إذ حُرم عنها الطعام باستثناء القمح. ويقول البعض انّها عندما هربت من والدها مرّت بحقل من القمح اختبأت فيه من أجل ذلك نسلق القمح تذكّراً للحدث.

 

وُلدت بربارة من أبوين ثريّين جدًا من عبدة الأصنام في مدينة "نيقوديميا" في آسيا الصغرى، في أوائل القرن الثالث. اشتهر والدها "ديوسكوروس" في قومه بالغنى الفاحش والجاه وقساوة القلب وبكرهه للمسيحية. أما وحيدته بربارة فكانت دمثة الأخلاق، لطيفة ومتواضعة تُحبّ الناس كافة. توفّت والدتها قبل بلوغها، وكرّس والدها "ديوسكوروس" حياته لابنته بربارة.

 

وبما أنّها كانت فاتنة الجمال خاف عليها والدها وفكّر في حمايتها من مفاسد العصر فأسكنها في قصر أو بالأحرى في برج حصين، فيه كلّ أصناف البهجة، يُحيط به العسكر والأصنام، كي تتعبّد للآلهة طوال الوقت. وأتاها بأساتذة ماهرين كي تتلقّى تربية مميّزة وهكذا درست العلوم العصرية والآداب والفنون التي وفّرها لها والدها. كما تتلمذت على أيدي فلاسفة وخطباء وشعراء، وتعلّمت منهم التفكير والمنطق السليم.

 

وبسبب وحدتها كانت تستغرق في التأمّل والتفكير وتبحث عن الإله الخالق الذي خلق الكون والشمس والقمر والنجوم وأبدع في الخلق كلّما رفعت عينيها إلى السماء أو نظرت إلى الطبيعة الجميلة وتمتّعت بمشاهد المدينة الرائعة. 

 

سمعت عن الفئات المسيحية، وكتبت للعلاّمة اوريجانوس (أستاذ أساتذة معهد الاسكندرية) وهو الذي ألقى بنفسه وبكلّ طاقاته في تقديم حياته مثلاً للحياة الإنجيلية. وطلبت منه أن يُرشدها ويفسّر لها أسرار الألوهية والخلق والمسيحية. وأجابها برسالة مطوّلة سلّمها إلى تلميذه فالنتيانوس، وأوصاه بأن يفسّر لها بإسهاب عن تعاليم السيّد المسيح ومفهوم الحياة الأبديّة، فتتلمذت على يده. وعرفت الحياة النسكية مع ممارسة الصلاة من أجل تحرير النفس والدخول إلى الاتحاد وجدانيّاً مع الله والزهد والتقشف. فآمنت بالمسيح ونذرت حياتها  وبتوليّتها بالسرّ. وكانت مثابرة على الصلوات والأصوام وقراءة الكتب المقدّسة.

 

تقدّم لها كثيرون من الأثرياء ومن بينهم شاب غني ابن أحد أمراء المنطقة، وحينما فاتحها والدها في الأمر اعتذرت عن الزواج بحكمة.

 

وانتهزت الفرصة في أثناء سفر والدها إلى مدينة أخرى، وأمرت خدّامها بتحطيم ما حولها من الأصنام. ولمّا عاد والدها من رحلته واكتشف ذلك خرج عن طوره وهمّ ليضربها بالسيف، فهربت من أمام وجهه وكان أبوها يركض وراءها، حتّى وجدها مختبئة في مغارة، فوثب عليها كالذئب  وصار يضربها بعنف، ورجع بها إلى بيته، وسجنها في قبو مظلم. 

 

في اليوم التالي فسّر لها والدها خطر خسارة حياته وأمواله بسبب اعتناقها للمسيحية. ثمّ ساقها إلى الحاكم "مركيانوس" وروى له ما جرى وطلب منه أن يعذّبها. لكن إذ رآها الحاكم تعلّق قلبه بها، وصار يوبّخ والدها على قساوته. وأخذ يعدها بكرامات كثيرة إن أطاعت أمر الملك وسجدت للأوثان، أمّا هي فرفضت بشجاعة ودافعت عن موقفها بفصاحة وعن الإله الحقيقي وانتقدت الاصنام وأنها تؤمن بالحياة الأبدية وقالت: "انّ جسدي سيموت أمّا روحي فخالدة".

 

وبدأت رحلة عذابها حينما جلدوها حتى سالت منها الدماء، وذاقت أصناف العذاب وهي صامتة. ثمّ ألقوا بها في سجنٍ مظلمٍ، حيث ظهر لها السيّد المسيح وشفاها من جراحها ففرحت وتهلّلت نفسها. ولمّا استدعاها الحاكم في اليوم التالي فوجئ بها  مُبتهجة ولا أثر للجراحات على جسدها. وأخبرته انّ السيد المسيح هو الذي شفاها فازداد عنفًا، وأمر الجلاّدين بتعذيبها وبقطع رأسها بحدّ السيف. وطلب والدها من الحاكم أن يقوم هو بنفسه وبسيفه بقطع رأس ابنته الوحيدة، فسمح له بذلك، وهكذا نالت إكليل الاستشهاد سنة 235م. ثمّ أحرقه برق أصابه من السماء. وهكذا عوقب على فعلته الشنيعة.

 

خاتمة

 

"الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ حبّة الحنطة التي تقع في الأرض، إنْ لم تَمُت تبقَ وحدها. واذا ماتت أخرجت ثمرًا كثيرًا. مَن أحبّ حياته فقدها، ومَن رغب عنها في هذا العالم حفظها للحياة الأبديّة" (يوحنا 24:12). نسأل الله أن يجعلنا دوماً من المؤمنين الصالحين كي ننال الحياة الأبدية.