موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢
الهاتف وحياتنا اليومية - 1

الأب منويل بدر :

 

1. لماذا نمشي ونحن نتلفن؟

 

2. ما هي شروط المكالمة الناجحة على التليفون؟

 

نقطتان مهمّتان سنقوم بالرد عليهما بهذين المقالين القصيرين المفيدين

 

أولاً: لماذا نمشي ونحن نتلفن أو نجيب على مكالمة تليفونية؟

 

قبل 20 سنة ابتدأ عهد التليفون المحمول، وقد أصبح اليوم من بين كل الوسائل الاجتماعية الأكثر استعمالاً وانتشارًا وضرورة في الحياة اليومية. فامتلاك تليفون موبايل اليوم ما عاد شكلا من أشكال المباهاة والمفخرة قدام الناس، بل ضرورة من ضروريات الحياة، لإنجاز متطلّباتها الكثيرة. بهذا المعنى تقول الإحصائيات، إنّ كل من يحمل تليفونًا ينظر إليه أو يستعمله بمعدل أقلّه 30 مرّة في اليوم.

 

فبأيِ حالة نستقبل أو نُرسل هذه المكالمات؟

 

بوعي أو بغير وعي، خاصة حين يقرع جرس الموبايل، في جيبنا أو أمامنا، إذ نادرًا ما عاد في البيوت تليفونات ثابتة، نتناول الجهار ونقف ونبدأ بالمشي، ذهابًا وإيابًا، ونتحدث مع من تلفن لنا. فالسؤال: لماذا نمشي ونهزّ رأسنا بل ونقوم بحركات جداليّة كأن مقابلنا يرانا، بدل أن نبقى جالسين ونتبادل الحديث معه؟ ماذا يختفي تحت تصرّفنا هذا؟

 

علماء النفس، وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه (1844–1900) لاقوا لذلك بعض التفسيرات نوجزها:

 

يقول نيتشه: إن أكبر الأفكار تأتي بالمشي. هو ما كان يعرف الموبايل، إذ ما كان أصلاً موجوداً، لكن نظريّته هذه هي واحدة من نظريات عديدة، بل هي واحدة من النظريات المُهمة.

 

قالوا الذي يتحرّك ويمشي هو يحرِّك دماغه، وقبل كل شيء هو يسلّط انتباهه على الطريق الذي يسيره، "لئلا تصدم بحجر رجله". لذا ينصح المختصون بالصحة، أنه يُحبًّذ الوقوف والمشي خاصة بعد جلوس طويل، أن يقف الإنسان ويسير بعض الخطوات، خاصة أثناء المحادثة التليفونية. فهذا يدفع إلى التركيز والانتباه والتّملّك من التعبير الّلغوي، إذ ما نسمع من تعليمات وحديث، يوقظ انفعالا في مركز التفكير في الرأس، فتتحرّك فجائيا عملية التركيز لفهم ما يقول مكلِّمِنا في الجهة الثانية، ونبدأ نستوعب أكثر ما يُقال لنا. من هنا فائدة حالة الوقوف، خاصة إذا كان المتكلِّم هو ربُّ العمل أو شريكه ونحن نكون قد قدِّمنا له طلبا أو سؤال استفسار.

 

من المعروف أن لغة المحادثة التليفونية، هي لغة دخيلة على الإنسان، وعمرها فقط من عمر دخول التليفون إليه. فهذه اللغة لا تزال غبر متأصلة فيه، كما ولا أسلوب حديثه الاعتيادي. وبما أنه لا يزال غير متملّكا من هذه اللغة الجديدة، فهذا يُولِّد فيه همّاً نفسيّا، إذ كيف يجب أن يركّز على فهم ما يسمع، علما بأنه لا يرى انفعال أو ملامح وجه المتحدّث ولا حركات يديه. فمن يمشي وهو يتكلّم ينسى هذا الهم. فالتحرّك الغير واعي يساعد في القضاء على عدم الرّاحة الداخلية، ويدخل مكانها الوعي الكامل والانفراج النفسي فيه. إذن الوقوف والمشي في هذه الحالة تنسيه ما حوله أو ما كان في رأسه.

 

قال المثل: لكلِّ مقام مقال. فالمشي أثناء المكالمة التليفونية له مقامه، إذ من يتكلّم وهو مستقيم القامة، يكون صوته واضحا، بعكس ما إذا كان مستلقيا على ظهره أو جالسا. فصوت الإنسان الواقف هو أقوى وأصفى وأثبت في التعبير، لذا فيستغل الكثيرون طريقة الوقوف والمشي عندما يأتيهم تليفون مهم (حتى وإن لم يكونوا يعرفون بهذه الحسنات).

 

فإن تلفن نيتشه مع أحد في زمانه، فهذا غير معروف، لكنه كان يعرف هذه الكلمة، إذ هو يذكرها في كتاب له صادر عام 1887 حيث يتكلم عن تلفنة من العالم الثاني وينصح بالعبارة التالية: إن جاءك تليفون من العالم الثاني فالأفضل لك أن تغلق السمّاعة.

 

(للمقال تكملة)