موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٢
الناشط المجتمعي الأرمني رافي سايغ يكتب: الأرمن.. حراس القيامة

رافي سايغ – القامشلي :

 

إنها الذكرى السابعة بعد المئة على الإبادة الأرمنية (1915). 24 نيسان يوم طبع في ذاكرة الشعب الأرمني تخليدًا لأرواح أجدادنا الأبطال. فالأرمن لا يتعبوا من إحياء هذه الذكرى بعد مرور كل هذه السنوات، وذلك ليبقى صوت الحق يصدح عاليًا في صمت هذا الكون، ونعلن أننا هنا.

 

نعم، نحن هنا في كل هذه البلاد التي تحتضنا اليوم، نحمل تاريخنا في قلوبنا، وكذلك قصص أجدادنا عندما ضاقت الدنيا يومًا بهم، ووجدوا أنفسهم في قوافل وهم يسيروا على حبات رمال الصحراء وكلهم إيمان أنهم على درب الشهادة ماضون. فالشهادة هي مصير الأحرار، ونقولها بكل ثقة أن الشهادة عندما تكون مسيحية هي شهادة إيمان برسالة السيد المسيح القائم من بين الأموات.

 

على خطى المعلم سار الأرمن ليومنا هذا، لم يعيشوا في الظلام أو أحزان الإبادة الأليمة، بل تابعوا حياتهم وكلهم رجاء أن هذا الدرب رغم آلامه الكبيرة سينتهي بقيامة بهية تبدد ظلمات القتل والدمار والهجرة.

 

في 24 نيسان تمتلئ الذاكرة بالقصص الحزينة والروايات المرعبة عن شعب خسر كل ما يملك إلا إيمانه برب الحياة والخلاص. ففي لحظة صمت وتخاذل وأمام أعين الجميع والمجتمع الدولي، وجد الأرمن ما كاد يشبه نهايتهم على هذه الأرض وهم في وطنهم، صمتت أجراس الكنائس، فرغت البيوت من أصحابها، وبات كل شيء بدون روح ومعنى، أنه القرار العثماني ليُهجر وليقتل الأرمن أينما وجدوا.

 

فماذا كان ذنب الأرمن؟ هل كان لأنهم يحملون رسالة المسيح، وأنهم أبناء معمودية الخلاص في ظل سلطنة لم تكن تعرف الرحمة أو الوفاء تجاه شعوبها! تكثر الأسئلة، والجواب واحد إنه إفناء الأرمن وتهجيرهم من أرضهم التاريخية. فكانت هذه النهاية عكس ما أراد أصحاب الحكم الأحمر، لقد باتت هذه النهاية قيامة جديدة للشعب الأرمني في كل دولة عاش فيها هذا الشعب المقهور.

 

ينتشر الأرمن اليوم في مختلف دول العالم، ليقولوا في 24 نيسان كلمتهم: نحن الأرمن أحفاد الذين فشل العثمانيون الأتراك بإبادتهم. أرادوا لنا الموت، فكانت لنا الحياة ونحن أهل الحياة وعشاقها. أمام كل حجرة دمرت في أرمينيا الغربية شيدنا الكنائس والمدارس والأسواق  في كل أرض استقبلتنا. وهذا كله لنؤكد على أننا أبناء الحضارة والثقافة والسلام. نعم السلام، فهذا ما نسعى إلى تحقيقه. ربما جرحنا بقي مفتوح لليوم ولم يندمل، ولكن السلام وحده يمكنه أن يعيد الطمأنينة إلى قلوبنا. فالسلام الذي ننادي به هو سلام العدل لا الاستسلام، ولا سلام مصالح الدول التي تقام على حساب شعوب المنطقة كما نشهد في أيامنا الحالية.

 

عندما نطلب السلام ونحارب من أجل تحقيقه، لا نطلبه من أجل قضيتنا فحسب، بل من أجل استقرار حاضر ومستقبل الشعوب المتألمة من ويلات الحروب. فهل هنالك من يعمل من أجل إرساء العدل في عالمنا، والأمل يكاد أن يختفي!

 

أن تبقى تركيا الحالية ناكرة للإبادة الأرمنية هو أمر مرفوض ولا نقبل به، وكل محاولات للتطبيع بين أرمينيا وتركيا ستبقى بنظر الأرمن وخاصة أرمن الشتات خيانة لدماء الشهداء، إذا لم تقام على مبدأ الاعتراف الرسمي التركي بالإبادة الأرمنية، وتسوية ملف التعويض المادي للشعب الأرمني عن الأرضي المسلوبة والكنائس المحتلة، فهذا حق مقدس ولا أحد يمكنه أن يستغني عنه مهما كان منصبه. وأكبر مثال أمامنا هو ما جرى في اقليم أرتساخ، وهذا خير مثال عن النوايا التي لا زالت حية للأسف في قلوب ورثة العثمانية الجديدة. وهذا العدوان الأخير الذي حصل يذكرنا بصمت الحكومات التي تنادي بالديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فصمت اليوم يشبه صمت الأمس.

 

أما نحن الأرمن في الذكرى السابعة بعد المئة على الإبادة التي تعرض لها أجدادنا، سنبقى أوفياء لرسالتنا التي رويت بدماء شهدائنا الأبرار، سنبقى أوفياء تجاه قضيتنا، وقضيتنا ليست ملك لنا فحسب بل هي أيضًا ملك لكل الشعوب الحرة التي تدافع بكل ما لديها عن حقوقها ووجودها. لا تبحثوا عن الأرمن في قبر الإبادة لأنهم ليسوا ها هنا، بل هم في كل الأرض مثل نور بهي يضيء ظلمات هذا العالم المتعب من الحروب والقتل، نحن أحياء لأننا أبناء النور، والنور يشرق في الظلمات ويسطع أكثر و أكثر كلما توالت السنوات على قيامتنا لا إبادتنا.

 

نحن هنا لأننا أبناء القيامة، والقيامة هي حتمية لشعب اعتنق المسيحية، وكان شعب أول دولة تفعل ذلك.

 

شهدائنا الأبرار أرقدوا بسلام، فإننا قمنا مع المسيح القائم من بين الأموات وغالب الموت. تمر السنوات ولم ولن نتعب من أن نكون حراس القيامة، حراس القضية التي لا تموت. هذا هو دربنا، وهذه هي رسالتنا التي في كل ذكرى نعلن فيها وبكل ثقة وإيمان وفخر: قام الأرمن.. حقًا قاموا.