موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر السبت، ٢٦ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
المسيحيون في الأردن والوجه الحقيقي للرسالة المسيحية
الحج السنوي إلى موقع معمودية السيد المسيح (أبونا 2019)

الحج السنوي إلى موقع معمودية السيد المسيح (أبونا 2019)

مراد كمال القرالة :

 

تعتبر مسيحية الأردن وفلسطين الأقرب إلى روح المسيحية الحقة، فمسيحيو المنطقة يقدمون النموذج الأرقى في التعبير عن قيم المحبة والتسامح، والمسيحيون في الأردن تحديدًا عروبيون يحملون داخلهم انتماءًا عميقًا إلى العروبة، ولذلك تمكنوا من العيش في أجواء من الانفتاح والايجابية مع محيطهم المسلم، وكانت قيم العيش المشترك والإخلاص للوطن والأرض والناس والعشرة الطيبة في مقدمة مبادئهم التي ما زالوا يعبرون عنها ويقومون على صيانتها، وكم أحبطت محاولات بث التفرقة والشقاق التي سعى من خلالها الغزاة الفرنجة على صخرة القناعات المسيحية في الأردن بأن غاية الإنسان من وجوده على الأرض هو البناء والعمران، وكما فشلت الحملات الفرنجية في العصور الوسطى فشلت القوى الاستعمارية في إحداث الشقاق على أساس ديني.

 

المسيحيون في هذه الأرض من أحفاد القبائل العربية التي خاضت معركة الاستقلال مبكرًا بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، ومن أبناء الطوائف الأخرى التي وجدت أرض المسيح الأقرب إلى جوهر الدين المسيحي، جميعهم كانوا يسعون إلى المشاركة والبناء في الأردن، وإلى التكامل مع العمق العربي من أجل بناء مشروع حضاري متميز ومنفرد يستلهم تاريخ الحضارات القديمة ويمازجها مع هوية الأرض العربية–الإسلامية وفق الميثاق المبكر الذي أرسته العهدة العمرية التي تطرح نفسها بين الوثائق المبكرة والمتقدمة في الوقت ذاته في صيانة الحريات الدينية والشخصية.

 

لدى كل أردني مسلمًا كان أو مسيحيًا قصص كثيرة عن خصوصية العلاقة بين أتباع الديانتين في كل مدينة وقرية أردنية، وفي مدينتي الكرك، على سبيل المثال كنموذج للمدينة الأردنية، كان تلاحم المسيحي مع شقيقه المسلم تحت راية الانتماء الوطني ومحبة الأرض والسلام يكتب بحروف من نور واحدة من الملاحم الكبيرة في تاريخنا، فكم كان المسيحيون يقفون كتفًا بكتف مع المسلمين في مناسباتهم ووقت الحاجة إلى الدعم والسند، وكم وقف المسلمون مع المسيحيين في مواقف غير قابلة للعد أو الحصر، وكان من فزعة المسلمين تقديرًا لهذه الأخوة التي ترسخت عبر خبرات وتجارب تمتد لقرون تلك الدعابة التي تحدث بها الأردنيون طويلًا حين عاونت عشيرة المعايطة العزيزة الأشقاء المسيحيين في تعمير الكنيسة حتى كانت تطلب العمل والمساهمة في كل شيء، وصولًا إلى طلبهم بأن يكون الخوري منهم لاستمرار الخدمة للكنيسة، وهذه القصة انتشرت لطرافتها، ولكن كثيرًا من الأحجار في مساجد الكرك كان حملها مسيحيون يعاونون أشقاءهم المسلمين قبل أن تتولى الدولة تحت رعاية الملك الهاشمي مسألة تعمير بيوت العبادة.

 

في كل محافظة في الأردن قصص كثيرة حول هذه العلاقة، يقدمها الأردن نموذجًا للعالم في الأخوة والتسامح الحقيقيان غير القابلين للمتاجرة والمجردين من الاستعراض والرياء، فليحفظ الله الأردن وأهله مسلمين ومسيحيين يقدمون جميعهم أوضح الدلائل على تحضر شعبنا وأصالته وقيمه وأخلاقه.

 

(جريدة الرأي الأردنية)