موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
البطريرك الكلداني لويس روفائيل ساكو يكتب: التأوين والتحديث في المجال الكنسي
الكاردينال لويس روفائيل ساكو، البطريرك الكلداني

الكاردينال لويس روفائيل ساكو، البطريرك الكلداني

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

 

الـتأوين، ويرادفه بالانكليزية up-to-date وبالايطالية aggiornamento مصطلح دخل في المجال الكنسي خاصة أثناء وأعقاب المجمع الفاتيكاني الثاني للكنيسة الكاثوليكية. يشير المصطلح إلى إجراء إصلاحات وتغييرات تجلب تحسينًا جديدًا متميزًا للمؤمنين الحاليين في مجال لاهوت الكنيسة وتعليمها وطقوسها وأحكامها ليتناسب مع عقلية المؤمنين وثقافتهم ومتطلبات ظروفهم في الزمن الحاضر، ليفهموا معانيها ويلتزموا بها.

 

لاهوت الكنيسة معظمه يعود الى زمن آباء الكنيسة في الشرق، واللاهوتيين المدرسيين أمثال توما الأكويني وأسلافه في الغرب. معظم الطقوس تعود إلى القرون الاولى لاسيما السادس والسابع بالنسبة لنا المشرقيين، وبعضها لم تعد تناسب حاضرنا بسبب اللغة والإطار الزمني والاجتماعي والفكري وتغير ظروف الناس.

 

من واجب الكنيسة أن تنفتح على الثقافة الحاليّة وظروف الناس التي تغيّرت عما كانت عليه في السابق. كما يتعين على الكنيسة أن تعبّر عن هذا الإرث الغني بأساليب جديدة ولغة معاصرة مفهومة، وحس راعوي مرهف تجاوبًا مع الواقع الحالي للناس.

 

كيف نتكلم مع أساتذة الجامعة وطلابها والأطفال عن أمور دينية معقدة لتكون مؤثرة في سلوكهم كما فعل يسوع؟ وموهبة التكلم بلغات تُشير إلى شمولية البشارة بقيادة الروح القدس (أعمال الرسل 2/ 1-13). الروح القدس يحتضن الكنيسة، ويسكب عليها مواهبه ويسندها أمام التحديات والمصاعب. هذا جزء من إيماننا المسيحي. الروح يظل يحرك الكنيسة ويجددها لئلا تنغلق على شعب معين وزمن معين ولغة معينة وثقافة معينة!

 

هذه الفسحة البديعة من الحرية والاصغاء والتجديد لا تُفقد الكنيسة إرثها الاصيل، فلقد سبق أن تركت عبر تاريخها الطويل بعض أحكامها وأساليبها في سبيل التأوين. جاء في دستور الليتورجيا المقدسة من وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني (19) هذا المطلب الملزم لكل الكنيسة: “لكي يحصل الشعبُ المسيحي بكل تأكيد على نعمٍ غزيرة في الطقسيات، أرادت أُمّنا الكنيسة المقدسة أَن تعملَ بكل رصانة على تجديد الطقسيات العام بالذات… ويقتضي هذا التجديد تنظيم النصوص والطقوس بحيث تُعبِّرُ بأَكثر جلاء عن الحقائق المقدسة التي تَعني، ويتمكن الشعب المسيحي، على قدر المُستطاع، أن يفقهها بسهولة وان يشترك بها اشتراكاً تامّاً، فعالاً وجماعياً” (دستور في الليتورجيا المقدسة رقم 21).

 

وما دعوة البابا فرنسيس إلى السينودالية المجمعية "السير معًا" سنة 2023 سوى لغرض الاصلاح والتأوين.

 

من المؤسف أن نجد في كنيستنا أشخاصًا متطرفين "منفوخين" لا يفهمون كل هذه العملية الضرورية ينتقدون كل خطوة تقوم بها الكنيسة، بدل أن يشيدوا بالتقدم الاستثنائي الذي قامت به في السنوات الاخيرة وتشجيعها على الاستمرار!

 

نحن نعيش في مجتمع 97% منه غير مسيحي، وهؤلاء جزء من رسالة الكنيسة: "اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين" (مرقس 16/ 15). ألا يتعين علينا أن نفكر بهم في خطاباتنا وطقوسنا خاصة عندما تُبَث في وسائل الاعلام؟ نفس الكلام ينطبق على شبابنا المنتشر في العالم ممن يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي، هل يجوز أن نحتفل بطقوسنا كما كانت أيام زمان في قرانا، وأن نلقن المؤمنين بما فيهم الأطفال معلومات غير مفهومة؟

 

نأمل أن تكون هذه السنة الجديدة 2022، سنة خير وبركة لكنيستنا الكلدانية والكنائس الأخرى، سنة إيمان والتزام  ووحدة، ولبلدنا والبشرية، سنة الخلاص من جائحة كورونا والصراعات والتوترات والانقسامات... الأمل يسير مع الإيمان والمحبة.