موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٤ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١
البطريرك الراعي يفتتح مسيرة سينودس الأساقفة على مستوى الكنيسة المارونية

فاتيكان نيوز :

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، يوم السبت الموافق 23 تشرين الأول 2021، القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، بمناسبة افتتاح مسيرة سينودس الأساقفة على مستوى الكنيسة المارونية، على أن يصار إلى افتتاحها في الأبرشيات والرهبانيات في6 و7 تشرين الثاني المقبل، مع بداية السنة الطقسية.

 

وألقى غبطته عظة بعنوان "اقترب يسوع منهما، وأخذ يسير معهما" (لو 24: 15)، وقال: الربّ يسوع القائم من الموت اقترب من تلميذي عمّاوس القلقين والـمكتئبين، وأخذ يسير معهما، من دون أن يعرفاه. استمع لهما وهما يعبّران عن سبب القلق والكآبة. شرح لهما الحدث على ضوء الكلام الإلهيّ، وعاش معهما ملء الشركة بكسر الخبز، فانطلقا للرسالة". وأضاف "اختار قداسة البابا فرنسيس لجمعية سينودس الأساقفة العادية العامة السادسة عشرة موضوع: "من أجل كنيسة سينودسية: شركة ومشاركة ورسالة". واختصره بثلاث كلمات: "لقاء، إصغاء، تمييز، في إطار "السير معًا" وهذا ما تعنيه لفظة "سينودس".  وأشار غبطته إلى أن "اللقاء هو أوّلًا مع يسوع المسيح، وفي ما بيننا. الإصغاء هو للروح القدس وللكنيسة ولبعضنا البعض. التمييز هو روحي وكنسي، ويتمّ على ضوء كلمة الله. أمّا السير معًا فيشكّل الإطار والمساحة للقاء الإصغاء والتمييز. هكذا فعل الربّ يسوع عندما لاقى تلميذي عمّاوس في الطريق، وأصغى إليهما، وشاركهما في همّهما، وميّز الحدث الذي أقلقهما شارحًا إيّاه على ضوء كلمة الله من موسى إلى الأنبياء (راجع لو 24: 15، 19-24، 26-27)، وبلغ معهما إلى ذروة الشركة، إذ فيما كان يقاسمهما لقمة العشاء، أشركهما في وليمة جسده ودمه، عندما أقام على المائدة ليتورجيا "كسر الخبز". عندئذ عرفاه، فغاب عنهما. أمّا هما فانطلقا للرسالة وهي إعلان سرّ المسيح القائم من الموت."

 

وأشار البطريرك الراعي في عظته إلى أن "موضوع جمعية سينودس الأساقفة نبويّ لأنّه حاجة لنا في لبنان في ظروفنا الراهنة. فالسير معًا هو تعبير آخر لمعنى لبنان الذي هو العيش معًا الذي يقتضي أن يسير جميع اللبنانيين إلى هدف مشترك ومصير مشترك على مبدأ القانون والأخوّة، لا على مبدأ الفوضى والثأر والعداء. يشكو لبنان اليوم من غياب دولة القانون، من التضامن المجتمعي، من انحدار مستوى التخاطب السياسي. من تدنّي القيم، من إخضاع العدالة للنافذين، من أخْذ البريء وتَحييد المذنبين، من ارتفاع نسبة الأحقاد بين المسؤولين رغم المحبة التي تَجمع الشعب. كان يجدر بالمسؤولين السياسيين في الدولة والحكومة أن يستدركوا أحداث الغبيرة - عين الرمانة الأليمة عوض تركها تصل إلى المستوى المسلح الذي أوقع قتلى وجرحى وخسائر مادية في المنازل والمتاجر والسيارات هي من جنى العمر. ولذلك إن مسؤولية ما جرى تتحمّله الدولة أصالة. نحن بحاجة إلى رفقة يسوع المسيح وإلى لقائه الوجداني لنحيا مجدّدًا فعل القيامة من الانهيار. منذ ألفي سنة والرب راعينا في هذا الشرق. ومنذ مئة عام ونحن نرعى دولة لبنان الكبير، هذه الشجرة الدهرية التي تظلِّلنا جميعا، وتَحمينا من أخطار الانفصال والتبعيّة والانقسام والتقسيم".

 

وقال "لا تقتصر هذه المسيرة السينودسية فقط على الإكليروس وبعض المؤمنين والمؤمنات الملتزمين، بل تشمل الجميع ولا سيما السياسيين وأهل السلطة. فهم بحاجة ماسة إلى التلاقي المخلص، والإصغاء الوجداني، والتمييز المسؤول، من أجل ضبط الحياة العامة. فمن المؤسف أنَّ مواقف بعض القوى تهدّد مصلحة لبنان ووحدته، وتعطّل مسيرة الدولة ومؤسساتها ودستورها واستحقاقاتها الديمقراطيّة وقضاءها، ويحوِّرون دور لبنان وهويّته ورسالته، ويَمنعون شعبه من الحياة الطبيعية. جميع المغامرات سقطت في لبنان، ولو ظنَّ أصحابها، في بعض مراحلها، أنّها قابلة النجاح. ليس لبنان مغامرة، بل هو رهان على السير معًا بإخلاص. وإذ توافقنا على السير معًا في ظلٍّ نظام ديمقراطيِّ، يجدر بنا أن نمارس الديمقراطيّة باحترام استحقاقاتها الانتخابية. لذا، إن اللبنانيين، التائقين إلى التغيير، يتمسّكون بإجراء الانتخابات في مواعيدها ويرفضون تأجيلها تحت أيِّ ذريعة كانت".

 

"السير معًا يقتضي عدالة تحمي الحقوق والواجبات بالمساواة بين المواطنين"، قال البطريرك الراعي في عظته، وأضاف "العدالة هي ضمانة النظام الديمقراطيّ. إنّ الدولة بشرعيتها ومؤسساتها وقضائها مدعوّة إلى حماية شعبها ومنع التعدّي عليه، إلى التصرّف بحكمة وعدالة وحيادية، فلا تورّط القضاء وتعرّض السلم الأهلي للخطر إذ إنّ الظلم يولِّد القهر، والقهر يولِّد الانفجار. إنّ القضاء هو علاج الأحداث لا المسببّ لها. لا نقبل، ونحن المؤمنين بالعدالة، أن يتحوّل من دافع عن كرامته وأمن بيئته لقمة سائغة ومكسر عصا. هؤلاء، مع غيرهم، حافظوا على لبنان وقدّموا في سبيل وحدته وسيادته ألوف الشهداء. نريد عدلًا في السويّة والرعيّة ولا ظلمًا في أي مكان. ابتعدوا عن نيران الفتنة. نحن لا نريد دولة سائبة. وحده "السير معًا" بروح المجمعيّة المسؤولة، والإصغاء المتبادل والتمييز المشترك يحفظ شرعية الدولة وسيادتها الداخلية والخارجية. موقفنا هذا هو دفاع عن الحقيقة والمواطنين الآمنين في جميع المناطق المتضرّرة. ونتمنى أن يحترم التحقيق مع الموقوفين حقوق الإنسان بعيدًا عن الترهيب والترغيب وما شابه. لا نريد تبرئة مذنب ولا اتّهام بريء. لذلك، لا بد من ترك العدالة تأخذ مجراها في أجواء طبيعية ومحايدة ونزيهة. ونحرص على أن تشمل التحقيقات جميع الأطراف لا طرفًا واحدًا كأنّه هو المسؤول عن الأحداث. إنّ الجميع تحت القانون حين يكون القانون فوق الجميع. لا حياة مشتركة خارج مفهوم العدالة والسلام. إن اللبنانيين توّاقون إلى الحياة السعيدة والهدوء لأنّهم تعبوا كفاية، وإلى السيادة لأنهم تعرّضوا للاحتلال، وإلى الحضارة لأنها ملازمة وجودهم. أن نسير معًا هو أن يكون الله رفيقنا في المشوار اللبناني. لذا، لا ندع أعيننا تُمسَك عن معرفة الله حين يرافقنا. إنّ الحياة من دون شراكة هي خطأ وجوديّ. في شراكتنا لا تسألوا عن الانتماء الفكري والحزبي والسياسي للآخر، بل عن انتمائه الأخلاقي والوطني. إذ حين تلتقي الأخلاق والوطنية تنتصر الوحدة".

 

وأضاف أن "أحداث الطيّونة ـــ عين الرمانة على خطورتها لا يمكن أن تَحجب التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. فلا يمكن أن ننسى أكبر تفجير غير نووي في التاريخ، ودمار بيروت، والضحايا التي تفوق المئتين، والمصابين الستة ألاف، ومئات العائلات المشرّدة. إننا نحذّر من محاولة إجراء مقايضة بين تفجير المرفأ وأحداث الطيّونة - عين الرمانة. فمواصلة التحقيق في تفجير المرفأ يبقى عنوان العدالة التي بدونها لا طمأنينة. إنّنا نسعى منذ وجودنا الدستوري إلى أن نخرج من الروح العشائرية لا إلى البقاء فيها أو العودة إليها. نريد كلمة الحق من خلال العدالة. شعبنا ليس شعبًا ينتقم، بل شعب مقاوم. جميع الذين حاولوا قهر هذا الشعب واحتلال الأرض والتعدّي على الكرامات، تصدى لهم شعب لبنان ورسم بتضحياته كلمات السيادة والعنفوان".

 

وختم البطريرك الراعي عظته بالقول: "نسألك يا ربنا وإلهنا أن تقود بمحبة الآب ونعمة الإبن وأنوار الروح القدس، مسيرتنا المجمعية، لكي نلتقي بروح الأخوّة الإنسانية ونصغي بعضنا إلى بعض بإخلاص، ونميّز أوضاعنا وأحداث حياتنا الخاصة والعامة بروح المسؤولية، في ضوء الكلام الإلهيّ. وإليك نرفع المجد والشكر والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين".