موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٤ مايو / أيار ٢٠٢١
البابا يفتتح مؤتمرًا حول الأزمة الديموغرافية في إيطاليا: لا مستقبل بدون ولادات
المجتمع الذي لا يقبل الحياة يتوقف عن العيش، ويأسف بأنّ أوروبا هي "قارة مسنّة؛ لا لتاريخها المجيد، إنما لتقدمها في السن"!

فاتيكان نيوز وأبونا :

 

افتتح البابا فرنسيس، الجمعة، أعمال اللقاء حول "حالات الولادة العامة" الذي نظمه "منتدى الجمعيات العائلية" بهدف استكشاف الأزمة الديموغرافيّة في إيطاليا، كما وفي العالم، والتي أُبرزت بشكل أكبر بسبب جائحة كوفيد-19، وأدت إلى زيادة مستويات الفقر بين العائلات.

 

وقد جمع اللقاء خبراء ومسؤولين إيطاليين، بمن فيهم رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي.

 

وأشاد البابا فرنسيس في افتتاحية خطابه بالمبادرة في البلد الذي شهد انخفاضًا بنسبة 30 بالمئة في المواليد في عام 2020، مشددًا على ضرورة "إعادة تشغيل إيطاليا بدءًا من الحياة، وبدءًا من الإنسان". ولاحظ قداسته بأن أوروبا هي "قارة مسنّة؛ لا لتاريخها المجيد، إنما لتقدمها في السن".

 

ففي كل عام، يبدو الأمر كما لو أن مدينة يزيد عدد سكانها عن مائتي ألف نسمة قد اختفت. ففي عام 2020 وصل العدد إلى أقل عدد من المواليد: ليس فقط بسبب فيروس كورونا، وإنما بسبب نزعة مستمرّة وتدريجيّة نحو الأسفل في شتاء قاسٍ بشكل متزايد.

 

وتوجّه الحبر الأعظم في فكره إلى واقع العديد من العائلات التي خلال أشهر الوباء هذه "اضطُرَّت إلى العمل لساعات إضافية، وتقسيم البيت بين العمل والمدرسة، مع الآباء الذين عملوا كمدرسين وفنيي كمبيوتر وعاملين وعلماء نفس. دون أن ننسى التضحيات التي قدّمها الأجداد، قوارب النجاة الحقيقية للعائلات، وكذلك الذاكرة التي تفتحنا على المستقبل".
 

لا يجب على المرأة أن تخجل!

 

كما شدّد على أهميّة الاعتناء بالعائلات، لاسيما الشابة، وتلك التي تتعرض لهواجس قد تؤدي إلى شلِّ خطط حياتهم.

 

وفي حديثه عن الشلل، انتقد الوضع الذي تجد فيه الكثير من النساء أنفسهن في مكان العمل، خائفات من أن يؤدي حملُهُنّ إلى الفصل، فيبلغ بهنّ الأمر إلى إخفاء بطونهنّ. وتساءل: "كيف يمكن أن تخجل المرأة من أجمل هدية يمكن للحياة أن تقدمها؟ لا يجب على المرأة أن تخجل، وإنما على المجتمع أن يخجل، لأن المجتمع الذي لا يقبل الحياة يتوقف عن العيش. الأبناء هم الرجاء الذي يجعل الشعب يولد من جديد!".

عطيّة، استدامة وتضامن

 

إنّ السيناريو صعب والمستقبل غير أكيد، لكن البابا فرنسيس يرى بالفعل "ربيعًا" في الأفق.

 

ولكي نصل إليه يقدّم لنا ثلاث أفكار.

 

1. العطيّة: كلُّ عطيّة ننالها والحياة هي أول عطيّة نالها كل فرد منا. ونحن مدعوون لكي ننقلها للآخرين. والطفل هو العطيّة الأكبر للجميع ويأتي قبل كل شيء. إنّ غياب الأبناء الذي يتسبب في شيخوخة السكان، يؤكّد ضمنيًا أن كل شيء ينتهي بنا، وأن مصالحنا الفردية فقط هي المهمة. لقد تم نسيان "أولوية العطيّة"، لاسيما في المجتمعات الأكثر ثراءً واستهلاكًا. في الواقع، نرى أنه حيثما يوجد المزيد من الأشياء، غالبًا ما يكون هناك المزيد من اللامبالاة وتضامن أقل، والمزيد من الانغلاق وسخاء أقلّ.

 

2. الاستدامة: الاستدامة "الاقتصادية والتكنولوجية والبيئية"، بالطبع، ولكن أيضًا "استدامة الأجيال". لن نتمكن من تغذية الإنتاج وحماية البيئة إن لم نتنبّه للعائلات والأبناء. إنّ النمو المستدام يمرّ من هنا، كما يؤكد البابا فرنسيس، لكن التاريخ هو الذي يعلمنا ذلك أولاً من خلال إعادة الإعمار بعد الحرب، إذ لم يكن هناك انطلاقة جديدة بدون ثورة الولادات. واليوم أيضًا، في "حالة إعادة الانطلاق" التي نجد أنفسنا فيها بسبب الوباء، "لا يمكننا اتباع نماذج قصيرة النظر للنمو، كما لو كانت هناك حاجة إلى بعض التعديلات المتسرعة للاستعداد للغد. لا، لأنَّ الأعداد المأساويّة للولادات والأعداد المخيفة للوباء تتطلّب التغيير والمسؤولية.

 

ويُسائل البابا المدرسة التي "لا يمكنها أن تكون مصنعًا للأفكار التي تُسكب على الأفراد"، بل "وقتًا مميزًا للقاء والنمو البشري". باختصار، في المدرسة، لا "العلامات" وإنما "الوجوه" هي التي تُنضِّج الآخرين، لأنه "بالنسبة للشباب من الضروري التواصل مع أمثلة سامية، تُنشِّئ القلوب بالإضافة إلى العقول. من المحزن أن نرى أمثلة يهتمون فقط بالمظاهر والشكل الجميل. إنَّ الشباب لا يكبرون بفضل الألعاب النارية للمظاهر، هم ينضجون إذا اجتذبهم الذين يتحلّون بالشجاعة لكي يحققوا أحلامًا كبيرة، ويضحّون بأنفسهم من أجل الآخرين، ويصنعون الخير للعالم الذي نعيش فيه. إنَّ الحفاظ على الشباب لا يأتي من التقاط صوَرَ السيلفي وإعادة التنقيح، بل من القدرة على رؤية انعكاسنا يومًا في عيون أبنائنا. في بعض الأحيان، في الواقع، تصل الرسالة إلى الأشخاص بأن تحقيق الذات يعني كسب المال والنجاح، بينما يبدو الأطفال وكأنهم مجرّد إلهاء، ويجب ألا يعيق تطلعاتهم الشخصية. إنَّ هذه الذهنيّة، بحسب البابا فرنسيس، هي شرّ مُهلِك للمجتمع وتجعل المستقبل غير مستدام.

 

3. التضامن: تضامن "هيكلي"، لا يرتبط بحالة الطوارئ ولكنه مستقر لهيكليات دعم العائلات والمساعدات للولادة. في المقام الأول، هناك حاجة إلى سياسات عائلية بعيدة المدى وبعيدة النظر: لا تستند إلى البحث عن إجماع فوري، ولكن على نمو الخير العام على المدى الطويل. هنا يكمن الفرق بين إدارة الشؤون العامة وأن نكون سياسيّين صالحين. وبالتالي من الضروري تقديم ضمانات للشباب للحصول على وظيفة مستقرة، وأمن للبيت، وأمور تجذبهم لكي لا يتركوا البلاد.

من الجميل أن نحلم بالخير ونبني المستقبل

 

وأكد قداسته على جمال رؤية نمو عدد رواد الأعمال والشركات الذين، وبالإضافة إلى تحقيق الأرباح، يعززون الحياة، ويحرصون على عدم استغلال الأشخاص الذين يعانون من ظروف وساعات غير مستدامة، والذين يصلون إلى توزيع جزء من العائدات للعمال، بهدف المساهمة في تنمية لا تقدر بثمن، تنمية العائلات". وقال: "إنه تحدٍ ليس فقط لإيطاليا، وإنما للعديد من البلدان، التي غالبًا ما تكون غنية بالموارد، ولكنها فقيرة بالرجاء".

 

وشدّد على أهميّة عيش التضامن في مجال المعلومات، لاسيما اليوم عندما أصبحت التقلبات والكلمات القوية موضة. لذلك فإن معيار التنشئة عن طريق الإعلام ليس الجمهور، وليس المجادلة والخصام، بل هو النمو البشري. بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى "معلومات بحجم العائلة"، يتمُّ التحدُّث فيها عن الآخرين "باحترام ودقة، كما لو كانوا أقاربنا" ولكنها، في الوقت عينه، "تسلط الضوء على المصالح والمؤامرات التي تضر الخير العام، والعمليات التي تدور حول المال وتضحّي بالعائلات والأشخاص.

 

وفي الختام، خاطب البابا فرنسيس المجتمعين في اللقاء، حول "حالات الولادة العامة"، بكلمات بسيطة وصادقة، وقال: "شكرا لكلِّ فرد منكم ولجميع الذين يؤمنون بالحياة البشرية وبالمستقبل. سيبدو لكم أحيانًا وكأنكم تصرخون في الصحراء، وتقاتلون طواحين الهواء. لكن انطلقوا وسيروا قدمًا، لا تستسلموا، لأنه من الجميل أن نحلم بالخير ونبني المستقبل، ولا مستقبل بدون ولادات".