موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٤ ابريل / نيسان ٢٠٢١
البابا فرنسيس في قداس سبت النور: لا تخف، لقد قام من الموت! وهو ينتظرك
أيتها الأخت وأيها الأخ، إذا كنت تحمل في قلبك هذه الليلة ساعة مظلمة، يوم لم يشرق بعد، نور مدفون، حلم مكسور، افتح قلبك بدهشة لإعلان عيد الفصح: "لا تخف، لقد قام من الموت! وهو ينتظرك في الجليل".

فاتيكان نيوز :

 

ترأس البابا فرنسيس مساء السبت قداسًا احتفاليًا في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان لمناسبة العشية الفصحية.

 

وقال قداسته في العظة: لقد فكّرت النساء بأنهن سيجدن جثّة ليدهنَّها، ولكنهنَّ وجدنَ قبرًا فارغًا. لقد ذهبنَ ليبكينَ ميتًا، ولكنّهنّ سمعنَ إعلان حياة. لذلك يقول الإنجيل أنّ "الخوف والدهشة قد أخذا" تلك النساء. الدهشة: في هذه الحالة كانت خوفًا ممزوجًا بالفرح فاجأ قلوبهنَّ لرؤيتهنَّ أنّ حجر القبر الكبير قد دُحرج وأنّ في الداخل شاب يلبس حلّة بيضاء. إنها دهشة سماع تلك الكلمات: "لا تندهشن أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام ليس هو ههنا"؛ ومن ثمَّ تلك الدعوة: "إنه يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه". لنقبل نحن أيضًا هذه الدعوة، دعوة الفصح: لنذهب إلى الجليل حيث يسبقنا الرب القائم من الموت. ولكن ما معنى "الذهاب إلى الجليل"؟

 

تابع: إنّ الذهاب إلى الجليل يعني أولاً البدء من جديد. بالنسبة للتلاميذ يعني العودة إلى المكان الذي بحث فيه الرب عنهم للمرة الأولى ودعاهم لاتباعه. إنه مكان اللقاء الأول والحب الأول. ومنذ تلك اللحظة تركوا الشباك وتبعوا يسوع وأصغوا إلى عظاته ورأوا الآيات التي كان يقوم بها. ومع ذلك، على الرغم من أنهم كانوا معه على الدوام ولكنّهم لم يفهموه في العمق وغالبًا ما أساءوا فهم كلماته وهربوا ازاء الصليب وتركوه وحده. على الرغم من هذا الفشل يقدم الرب القائم من الموت نفسه كذلك الذي مرّة أخرى يسبقهم إلى الجليل، يسبقهم أي يسير أمامهم. يدعوهم ويدعوهم مجدّدًا بلا كلل لاتباعه. فالقائم من الموت يقول لهم: "لننطلق من حيث بدأنا. لنبدأ من جديد. أريدكم معي مرّة أخرى على الرغم من جميع الإخفاقات". في هذا الجليل نتعلّم دهشة محبة الرب اللامتناهية التي ترسم سبلاً جديدة داخل دروب هزائمنا.

 

 

الإعلان الأول

 

أضاف: إليكم الإعلان الأول عن عيد الفصح الذي أود أن أقدمه لكم: من الممكن أن نبدأ من جديد على الدوام، لأن هناك حياة جديدة يستطيع الله أن يعيد إطلاقها فينا بعد كل إخفاقاتنا. حتى من حُطام قلوبنا، يمكن لله أن يبني تحفة فنيّة، وكذلك من الأجزاء المدمَّرَة من بشريّتنا، يُعدُّ الله تاريخًا جديدًا. فهو يسبقنا على الدوام: في صليب الألم واليأس والموت، وكذلك في مجد حياة تقوم من الموت، وتاريخ يتغير، في رجاء يولد من جديد. وفي هذه الأشهر المظلمة من الجائحة، نسمع الرب القائم من بين الأموات يدعونا لكي نبدأ من جديد، ولكي لا نفقد الرجاء أبدًا.

 

تابع: إن الذهاب إلى الجليل ثانيًا، يعني السير في دروب جديدة. إنه التحرُّك في الاتجاه المعاكس للقبر. لقد بحثتِ النساءُ عن يسوع في القبر، أي لقد ذهبنَ ليتذكَّرنَ ما عِشنَه معه والذي فقدنَه الآن إلى الأبد. لقد ذهبنَ لكي يُنقِّبنَ عن حُزنهنَّ. إنها صورة الإيمان الذي أصبح تخليدًا لذكرى حقيقة جميلة ولكنها انتهت وأصبحت مجرّد ذكرى. كثيرون يعيشون "إيمان الذكريات"، كما لو كان يسوع شخصية من الماضي، وصديقًا لشبابٍ بعيد، وحدثًا وقع منذ زمن بعيد، عندما كنت طفلاً يتابع لقاءات التعليم المسيحي في الرعيّة. إيمان يتكون من عادات، ومن أشياء من الماضي، من ذكريات الطفولة الجميلة، التي لم تعد تلمسني، ولم تعد تسائلني. أما إن الذهاب إلى الجليل فيعني أن نتعلم أن الإيمان، لكي يكون حيًّا، يجب أن يسير، وعليه أن يُنعش فينا يوميًّا بداية المسيرة ودهشة اللقاء الأول. ومن ثم أن نتَّكل على الله، دون أن ندّعيَ بأننا نعرف كل شيء، وإنما بتواضع الذين يسمحون بأن تفاجئهم طرق الله. لنذهب إلى الجليل لكي نكتشف أنّه لا يمكننا أن نضع الله بين ذكريات الطفولة وإنما هو حي، ويدهشنا على الدوام. قام من الموت ولن يتوقف أبدًا عن إدهاشنا.

 

 

الإعلان الثاني

 

أضاف: إليكم الإعلان الثاني لعيد الفصح: الإيمان ليس ذخيرة للماضي، ويسوع ليس شخصية تخطّاها الزمن. إنه حي، هنا والآن. يمشي معك كل يوم، في الحالة التي تعيشها، والتجربة التي تمر بها، وفي الأحلام التي تحملها في داخلك. هو يفتح طرقًا جديدة حيث يبدو لك أنها غير موجودة، ويدفعك إلى السير بعكس التيار نسبة للندم و"ما رأيته من قبل". حتى لو بدا لك أنَّ كل شيء قد ضاع، انفتح بدهشة على حداثته: وهو سيفاجئك.

 

تابع الحبر الأعظم يقول الذهاب إلى الجليل يعني أيضًا الذهاب إلى الحدود. لأن الجليل هو المكان الأبعد: في تلك المنطقة المركبة والمتنوعة يعيش الأشخاص الأكثر بعدًا عن طهارة طقوس أورشليم. ومع ذلك، بدأ يسوع رسالته من هناك، موجّهًا الإعلان إلى الذين يسيرون قدمًا بتعب الحياة اليومية، إلى المستبعدين، والضعفاء، والفقراء، ليكون وجه الله وحضوره، الذي يخرج للبحث بلا كلَل عن المحبطين والضائعين، والذي يذهب إلى حدود الوجود لأنه لا أحد أخير أو مُستبعَد في عينيه. إلى هناك يطلب القائم من بين الأموات من أتباعه أن يذهبوا، وكذلك اليوم أيضًا. إنه مكان الحياة اليومية، والدروب التي نسيرها يوميًّا، وزوايا مدننا التي يسبقنا الرب إليها ويحضر فيها، في حياة الذين يمرون بقربنا ويشاركوننا الوقت، والبيت والعمل والجهود والآمال. في الجليل نتعلم أننا يمكننا أن نجد القائم من بين الأموات في وجوه إخوتنا، وفي حماس الذين يحلمون وفي استسلام المحبطين، في ابتسامات الفرحين وفي دموع المتألمين، ولاسيما في الفقراء والمهمشين. سوف نندهش من الطريقة التي تظهر فيها عظمة الله في الصغر، وكيف يسطع جماله في البسطاء والفقراء.

 

 

الإعلان الثالث

 

وقال: إليكم، إذن، الإعلان الثالث لعيد الفصح: إنَّ يسوع، القائم من بين الأموات، يحبنا بلا حدود ويزور كل حالة من حالات حياتنا. لقد زرع حضوره في قلب العالم ويدعونا أيضًا لكي نتخطّى الحواجز ونتغلب على الأحكام المسبقة ونقترب من الذين حولنا يوم لكي نكتشف نعمة الحياة اليومية. لنتعرّف عليه حاضرًا في جليلنا، وفي حياتنا اليومية. معه ستتغير الحياة. لأنَّ القائم من بين الأموات يحيا أبعد من جميع الهزائم والشر والعنف، وأبعد من المعاناة والموت، ويقود التاريخ.

 

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيتها الأخت وأيها الأخ، إذا كنت تحمل في قلبك هذه الليلة ساعة مظلمة، يوم لم يشرق بعد، نور مدفون، حلم مكسور، افتح قلبك بدهشة لإعلان عيد الفصح: "لا تخف، لقد قام من الموت! وهو ينتظرك في الجليل". إن انتظاراتك لن تبقى ناقصة، سوف تُمسَحُ دموعك، وسيتغلّب الرجاء على مخاوفك. لأن الرب يسبقك، ويسير أمامك، ومعه تبدأ الحياة من جديد.