موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٦ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
الاقتناص أيضًا وأيضًا

الأب الياس كرم :

 

تعود ظاهرة اقتناص أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدّسة الرسولية إلى الواجهة من جديد من قبل بعض "المبشّرين"، مستغلّين بقوّة هذه المرّة الضائقة الاقتصاديّة، وانفجار بيروت، وأزمة وباء كورونا. أصبحنا نرى بعض الجمعيّات الدينيّة، المتسترة بعباءة الكنيسة الإنجيليّة، وهم براء منهم كما نسمع، استغلوا الأوضاع ليقتحموا البيوت والمؤسّسات ويقوموا بأعمال التبشير، وكأنّ أبناء الكنيستين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة من الضّالين أو الكافرين.

 

بين الحين والآخر تُطالعنا منشورات توزّع على الطرقات والسيّارات والمارّة والمنازل، تدعو الناس إلى التعرّف على المسيح ومعرفة الخلاص. قليلٌ من أبنائنا يتجاوب مع هذه الدعوات، والأكثرية ترفضها انطلاقًا من فهمها لإيمان كنيستهم وعقائدها وتراثها وتقاليدها.

 

طبعًا، نحن الكهنة نتحمّل الجزء الأكبر من التقصير في نشر الوعي عند الناس والمسؤولية في تشديد إيمان أبنائنا الذين يتأثرون بهذه الجماعات، سيّما في المدن. فالكاهن لا يستطيع أن يقوم بتغطية كاملة وواسعة في رعيته، وبشكل يومي ودائم. لذا وجب علينا، نحن الكهنة، مع أبنائنا الروحيّين، الناشطين والملتزمين في الكنائس، المبادرة إلى مساندة الضعفاء في الإيمان والوقوف إلى جانبهم روحيًّا وماديًا ومعنويًا، وأن نجهد من أجل تقديم كلّ مساعدة، خصوصًا في هذه الأوقات العصبية.

 

هل من مبادرة اليوم من القيّمين على الكنيسة الإنجيليّة الرسميّة في لبنان لإقفال هذه "الدكاكين التبشيرية" والتكفيريّة التي تتستّر بغطاء الكنيسة الإنجيليّة في لبنان، وبات لها فروعٌ في الشوارع والأحياء، وكلٌ يعمل على هواه دون رقيب أو حسيب، وضررها بات يطال الكنيسة الإنجيلية الأمّ؟ خوفي من ردّات فعل لا تُحمد عقباها من ناحيّة التقارب بين الكنائس.

 

ذكرتُ أنّ هذه الجماعات تستغل الأزمات التي نعيشها لاقتناص شعبنا. وهنا دور رؤساء الكنائس بتوجيه الأنظار واتخاذ خطوات عمليّة، لمواجهة هذا التحدّي بشتّى الطرق والوسائل. كما أنّ هناك دورًا لمجلس كنائس الشرق الأوسط من ناحيّة الانتباه إلى تفشّي هذه الظاهرة، سيّما وأننا في أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنيسة. فهل تكون الوحدة باقتناص المؤمنين وخلعهم من كنائسهم الأمّ؟ هل تكون الوحدة في شراء الناس بالأموال؟ هل تكون الوحدة في استغلال المؤمنين؟ هل تكون الوحدة في ضرب الكنائس الرسوليّة كرمى لعين دولٍ ومنظّمات؟ هل تكون الوحدة بضرب المفاهيم الإيمانيّة الصحيحة؟ هل تكون الوحدة في استغلال ضعفاء الإيمان؟ لا يا سادة، أولى الخطوات نحو الوحدة تبدأ باحترام بعضنا البعض، واحترام كل كنيسة لشقيقتها، دون استغلال ضعفات الناس لإقتناصهم.

 

نشكر الله أن شوطًا كبيرًا وتقاربًا حصلا بين الكنيستين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة على عدّة أصعدة. كما أن تفاهمات حصلت مع الكنيسة الإنجيليّة الرسميّة، فيها من اللياقة والترتيب الشيء الكثير. هذا التقارب قائم على الاحترام المتبادل وعلى الخصوصيّة لدى كل كنيسة، كما أنه قائم على مفهوم الوحدة ضمن التنوّع، فلا تضيّعوا البوصلة مرة جديدة حتى لا نعود إلى زمن نسيناه. المطلوب وضعُ حدٍّ لأعمال "التبشير" المنتشرة بقوة في الأحياء والزواريب، التي هي معروفة المصدر والتمويل، حتى لا نقع في المحظور. ونعوّل في المناسبة على وعي حكماء الطائفة الإنجيليّة، فيما خصّ بأولئك المبشّرين الذين يدّعون البروتستانتيّة.

 

نحن نؤمن أن يسوع المسيح حرّرنا بدمه على الصليب من العبودية، واشترانا من لعنة الناموس بدمه الكريم، وبالتالي كل مَن يسعى لشرائنا بالمال، ويقبض ثمن اقتناصنا فهو شبيهٌ بيهوذا، لأنه سارقٌ ولص.

 

أدعو أبناءنا في الإيمان إلى تذوّق حلاوة وطعم إيمان كنيستهم التي نشأوا فيها وترعرعوا في وسطها، قبل أن يختاروا التذوّق من جماعات تدّعي التبشير وهي بعيدة عن تاريخ الكنيسة وتعليمها وشفاعة قدّيسيها الذين ناضلوا وعلّموا واستشهدوا في سبيل أن تبقى الكنيسة عروسًا للمسيح، "لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ"(أفسس 5: 27).

 

في موضع آخر، يبقى أن نشير إلى أن الدولة مدعوّة، ومن خلال السلطات المحليّة، إلى قمع بعض البدع المهرطقة، وتنفيذ القوانين اللبنانية في هذا الصدد. يكفينا ما نعانيه. فهل نشرّع الأبواب لأشخاص يأتوننا في ثياب الحملان وهم في الباطن ذئاب خاطفة.

 

ندائي إلى أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدّسة الرسولية، ألا يهملوا النعمة التي نالوها من جرن المعمودية، وألا تحكموا على كنيستكم من خلال موقف لكاهن أو أسقف أو أي مسؤول، إنما راجعوا التاريخ وفتّشوا الكتب فتجدون كنزًا في كنيستكم الأم ونبع حياةٍ لا ينضب وروحانية لا يعلوها شيء. كما أننا أمينون للإنجيل ولا يزايدنّ أحدٌ علينا بذلك. إقرعوا أبواب كنيستكم، إنضموا إلى اجتماعات شبيبتها والعائلات فيها، أرسلوا أولادكم إلى النشاطات الأسبوعيّة، ولا أظن أنّكم غرباء عن كنيستكم، الحجر فيها والبشر. شرّعوا أبواب قلوبكم وعقولكم لتعاليم كنيستكم فتجدون المسيح الحقيقي الذي بذل نفسه لأجل خلاصكم. فمن يعش في كنف الكنيسة وفي حضن العذراء مريم وعِشرة القدّيسين والأسرار المقدّسة، سيجد الحقيقة والراحة والسلام، ومن منكم بحاجة لمساعدة، فكنيستكم ستقوم بالواجب قدر المستطاع، فهناك كهنة لا يعرفون النوم في سبيل الوقوف إلى جانب أبنائهم في هذا الصدد. إلا أن الكنيسة لن تقوم مكان الدولة التي هي غائبة في الوقت الحالي.

 

سنبقى على الرجاء لأنّنا أبناءُ الرجاء. سنبقى على المحبّة للجميع لأنّنا أبناءُ المحبّة. سنبقى على أمانتنا للإنجيل لأنّنا منه نأتي ونغتذي. ولنتذكر أنّ مَن يشترينا بالمال سيبيعنا أيضًا بالمال، فلا تشاركوا يهوذا في تسليم المسيح للصلب من جديد، بل كونوا أمناء لإيمانكم ولكنيستكم.

 

(النشرة اللبنانية)