موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٩ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
الأب فراس عبد ربه يكتب: منح الرسامة الكهنوتيّة لإمرأة؟
الأب فراس عبدربه: كاهن رعية اللاتين في عين عريك - رام الله

الأب فراس عبدربه: كاهن رعية اللاتين في عين عريك - رام الله

الأب فراس عبدربه :

 

منذ عدة أيام ونحن نتابع ردّات الفعل المختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي، حول "رسامة" (بين قوسين) أول إمرأة فلسطينية قسيسًا (قسيسة؟) في الكنيسة الانجيلية اللوثرية الشقيقة. أود بصفتي كاهنًا كاثوليكيًا، وراعيًا للنفوس كمعاون للأساقفة خلفاء الرسل، أن أعيد توضيح بعض الثوابت المعروفة في موقف الكنائس الرسولية عامّة والكاثوليكية خاصة.

 

الهدف هو أولاً رعوي: تهدئة نفوس "هؤلاء الصغار" الذين كان لهم هذا الحدث "حجر عثرة" (متى 18: 6)، وتثبيتهم في الإيمان القويم الذي دافعوا عنه بكل عفوية وحس سليم، أكد لي ولكثير من الكهنة، أن الإيمان هو ليس للاهوتيين ولمجموعة من "النخبة الفكرية"، ولكنه أولاً لمن ينساقون لروح الحق (يوحنا 15: 26)، لا إلى روح العالم. أطلب من إخوتي وأصدقائي في الكنيسة اللوثرية، من ناحية أخرى، أن لا يأخذوا كلماتي هذه وكأنها موجهة "ضدهم" ولكنها اعتراف بالإيمان الكاثوليكي (المعروف لديهم أصلاً). فالاختلافات واضحة ومعروفة وليست بجديدة. والحوار المسكوني لا يسعى بأي حال من الأحوال إلى حلّ كافة المشاكل، أو إلى تجاهل الخلافات، أو خلق "خلطة كوكتيل" من المسيحية؛ ولكن إلى السير نحو الوحدة، في الحقيقة والمحبة. حوار المحبة مهم جدًا، لكنه لن يقود إلى الوحدة الكاملة دون حوار الحقيقة. وهنا أعود إلى العبارة الجميلة للبابا الراحل بندكتوس السادس عشر بخصوص الحوار الحقيقي: "المحبة في الحقيقة والحقيقة بمحبة". فالمحبة دون حقيقة تغدو هلامية وهشة، والحقيقة دون محبة جارحة وقاسية. كلاهما يسيران معًا.

 

1. لا يمكننا التحدث عن أية "رسامة حقيقة" قد تمت، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ومن المعلوم، وقد أكده كافة بابوات العصر الحديث من جديد، علانية وضمناً، أن الكنيسة اللوثرية، التي نتجت عن حركة الاصلاح، لم تحافظ على الخلافة الرسولية، وبالتالي على صحة الرسامات الكهنوتية، ومن ثم فليس فيها كهنوت بالمعنى الرسولي. وهذا من باب أولى عندما يكون الشخص الذي نال "الرسامة"، إمرأة.

 

2. هناك عبارة تقول: "اللباس الكهنوتي لا يصنع الكاهن". ولمجرد ظهور القسيس أو "القسيسة" بملابس تشير إلى الكهنوت، أو حاملاً لرموز تشير إلى الافخارستية، لا يعني أن ما "نراه" هو كهنوت حقيقي أو احتفال افخارستي (قداس إلهي) حقيقي. لذلك، لمن تشكك من مشاهدة صور وفيديو، أقول: لا تقلق، لم يتم تدنيس الكهنوت ولا الافخارستية، فلا يوجد كهنوت ولا افخارستية فيما رأت عيناك.

 

3. كل ما قلته سابقاً لا يقلل من خطورة هذا الحدث على المستوى الايماني لشعبنا المسيحي الذي يضرب بجذوره في الكنائس الرسولية، والكنيسة الأولى. ولا يقلل من خطورته على المستوى المسكوني الذي نعمل بجهد منذ عقود على تدعيمه والسير فيه قدماً. لن أطيل في تعليقي على هذه المسألة لكنني سأعيد على مسامعكم آيتين من الرب يسوع نفسه: "وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ" (متى 18: 6)، "من لا يجمع معي فهو يفرق" (لوقا 11: 23).

 

4. لهذا الحدث خطر أيضًا على مستوى الشهادة التي نؤديها لحقيقة الانجيل أمام الأمم، وعلى الحوار بين الأديان، خاصة الاسلام واليهودية. والأمر واضح لا يحتاج إلى توضيح أكثر.

 

إن استخدام الدين، والرموز الدينية، لخوض حروب ايديولوجية مُسَيَّسةٍ (ايديولوجيات حقوق المرأة feminism والجندر gender بالذات)، على حساب وديعة الإيمان في الكتاب المقدس والتقليد المقدس (تعليم الآباء والمجامع المسكونية)، هو بداية النهاية لمن يسير في هذا الطريق، لأنه لم يعد يركن إلى الروح القدس، ولكن إلى فكره الخاص وروح العالم والعصر، وقد قال يسوع: "من دوني لا تستطيعون شيئًا" (يوحنا 15: 5)، وقال القديس يوحنا: "لا تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ" (1 يوحنا 2: 15).

 

هذه بعض الأفكار التي أردت المشاركة بها، للتأكيد على تعليم الكنائس الرسولية عامة والكاثوليكية خاصة، والذي لن يتغير، وللفت نظر اخوتنا في الكنائس التي تتبع حركة الاصلاح، إلى الأبعاد الخطيرة لمثل هذه المبادرات التي تؤخذ من طرف واحد.