موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٢ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
الأب الياس كرم يكتب: المعمودية ومكانة العرّاب

الأب الياس كرم :

 

يأتي عيد الظهور الإلهي (عيد الغطاس) لتكتمل معه مشهديّة الثالوث الأقدس، حيث الإبن يعتمد من يوحنا في الأردن وصوت الآب من السماء يقول: "هذا هو ابني الحبيب"، والروح القدس يحلّ عليه بشكل حمامة.

 

مناسبة هذا العيد تخاطبُ كلّ واحد نزل جرن المعمودية، واعتمد باسم الآب والابن والروح القدس. مناسبة لكي يعود كلّ معمّدٍ إلى هذه النعمة التي نالها، فالمعمودية أمرٌ بغاية الأهمية في الحياة المسيحية، إذ بها نلبس المسيح. تاليًا هي مدخلٌ لباقي الأسرار المقدّسة التي ننالها في مسيرة حياتنا في المسيح.

 

للأسف بتنا نلاحظ أن معظم الإحتفالات في سرّ المعمودية يطغى عليها الطابع الفولكلوري، لجهة المظاهر الخارجيّة: كالثياب والزينة والتصوير والتذكارات والإحتفالات والمآدب التي تتبع، طبعًا كلٌّ حسب إمكانياته. إلا أن هذا المنحى، زادنا، نحن الكهنة، قناعةً بضرورة شرح المعاني السامية لهذا السرّ العظيم والمبارك، إنطلاقًا من قناعتنا بأن الشرح والتفّسير يجعل الأهل والعرّابين والمشاركين، يعيشون هذه النعمة ويعون أهمية مضمونها، وبالتالي نصوّب بوصلة المشاركة، ولا تعد ذات طابع إجتماعي، إنما مشاركة ورعة لما للسرّ من قدسيّة.

 

المعمودية التي نالها يسوع المسيح على يد المعمدان في نهر الأردن، هدفَ منها التأكيد على أهمية هذا السرّ، وعند رفض يوحنا تعميد يسوع قائلاً: "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ"!، جاء جواب السيد المسيح واضحًا: "اسْمَح الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ". حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ"(متى ٣: ١٤-١٥).

 

إنطلاقًا من ذلك، المعمودية بابٌ إلزامي لإعتناق المسيحية، فالولادة من أبوين مسيحيّين أو من أب مسيحي، لا تجعل من المولود مسيحيًّا تلقائيًّا؛ نيلُنا سرّ المعمودية، التي من خلالها نخلع عنّا الإنسان العتيق ونلبس الإنسان الجديد على صورة المسيح، هذه تهبنا سرَّ الدخول في المسيحيّة.

 

يوحنّا المعمدان نادى بالتوبة، حيث أشار الإنجيلي متى في الإصحاح الثالث: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلًا: "تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ"(متى ٣: ١-٢). وأضاف يوحنا المعمدان، حسب رواية الإنجيلي متى، بالقول: "أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ"(متى٣: ١١). وأشار يسوع إلى موضوع التوبة أيضًا: "مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ، وَيَقُولُ: "تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَات"(متى ٤: ١٧). الدعوة إلى التوبة بدأت منذ سقوط الجدّين الأولين، وما زالت وستبقى، لأن الشرّير مفاعيله قائمة، وإن كان قد هُزم بالصليب، وهذا واجب كلّ معمّد أن يسعى إلى التوبة في مسار حياته ويجاهد لأجل خلاص نفسه.

 

للمعمودية أبعاد وتعاليم ورموز كثيرة، إنما في مناسبة عيد الظهور الإلهي الذي نحن في رحابه، أود التوقّف أمام وجه من أوجه المعمودية، عنيت العرّاب. وانطلاقًا من قول الربّ: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ"(متى ٢٨: ١٩)، نفهم أن السيد أشار إلى أهمية التلمذة والتعليم والتعميد. ولأن الأساقفة والكهنة لا يستطيعون متابعة دائمة للأولاد المعمَّدين، صار على عاتق العرّاب إتمام هذه المهمة، كما تعلّمنا الكنيسة.

 

إذًا بالأساس مسؤولية التعليم تقع على عاتق الكنيسة. ولكثرة عدد المؤمنين أوكلت المهمة للأهل، "ولزيادة في ضمان إتمام التعليم بشكل روحي فاعل طالبت بوجود شخص يقوم بالمهمة وأسمته العرّاب حيث صار وجوده أساسيًّا في المعمودية ولا تقوم بدونه". مهمة العراب في المعمودية أساسية، بحيث يسمّي الطفل ويرفض كل تعاليم الشيطان، بالمقابل يقبل تعاليم المسيح كي يجعل الطفل المعمّد ابنًا للمسيح، اي يوجّهه نحو الكنيسة وتعاليمها وحياتها كي يحيا في المسيح. من هنا ليس من المنطق ألا يعرف العرّاب دستور الإيمان وعقيدة الكنيسة التي ينتمي إليها الطفل المعمد ورسم إشارة الصليب ومعاني سر المعمودية. هذا أقل الأمور المطلوبة من العرّاب، أن يعي عمق هذا السرّ.

 

لذا وجب على الأهل أن يختاروا عرابًا لولدهم يستحق حمل هذه الوديعة والأمانة، لأن العرّاب كفيل للطفل المعمَّد، حيث سيقوم بالعمل الواجب على الكاهن أن يقوم به. وقد أعطي لقب الكفيل بمجرد أنْ قَبِل أن يكون له أولادٌ بالروح من خلال المعمودية. إلى هذا المدى أهمية العرّاب، فهل نعود ونقبل بكفيل روحي لا يتحلّى بصفات صالحة، فقط بسبب القربى أو لأنه قادر على المساهمة المالية في مصاريف العماد، أو لمجرد الصداقة أم لأسباب أخرى. المسؤولية تقع على عاتقنا في الإختيار، لذا عليكم، أيها الأهل الكرام، أن تنفضوا عنكم أيّة عادة والتزامات اجتماعية علّكم بذلك تساهمون في خلاص ولدكم، ليصير فعلًا ابنًا حبيبًا لله، ويبقى أمينًا لمعموديته وتعاليم كنيسته، ومحصّنًا من البدع والهرطقات والإقتناص، من جماعات لا تعرف قيمة الأسرار.