موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر Sunday, 17 January 2021
"إذا لم تسامح وأنت الكريم؟!"... بقلم أشخين ديمرجيان

أشخين ديمرجيان - القدس :

 

الدراسات والأبحاث العلميّة معروفة النّتائج في مجال علم النفس والطبّ النفسي والتي أثبتت أنّ للمسامحة تأثيرات صحيّة وروحانيّة ونفسيّة ايجابيّة. وأنّ مفاعيل الصفح على صحة الناس كبيرة وكثيرة ومتنوّعة، تبعث إلى هدوء في المشاعر وإلى ردود جسديّة هادئة ممّا يمنع الصدمات والانهيارات الجسديّة. كما أنّها عامل مهمّ لتحقيق صحّة روحانيّة صادقة عميقة الجذور. وفي نفس الوقت ليس الصّفح غباوةً ولا ضعفًا، ولا يجدر بأحد أن يسيء فهمه ليتمادى المُعتدي في عدوانه والمُتجاوز في تجاوزاته.

 

في المقابل، عدم المسامحة وتغذية الغيظ والكيد والغلّ والضغينة وغيرها من المشاعر والأفكار السلبيّة لها تأثير سلبيّ في الصحة الجسديّة، وارتفاع خطر الاصابة بأمراض القلب والسكتات القلبيّة. ولا يقلّ التأثير النفسيّ شأنًا وخطورة إذ يقود الى الأرق والقلق والانهيار العصبيّ.

 

كم مرّة أغفر للطرف الآخر؟ انطلاقًا من تعاليم بعض الحاخامات، كان معشر العبرانيّين يحسب أنّ الفضل الأكبر والحدّ الأقصى أن يسامح الانسان مَن أساء اليه ثلاث مرّات. وقرّر بطرس أن يكون سخيًّا في مسامحته للآخرين، ورفع العدد الى سبع مرّات، وهو يتوهّم أنّه ضرب الرّقم القياسيّ في الصّفح! ودنا من السيّد المسيح وسأله: "يا سيّد، كم مرّة يخطأ إليّ أخي وأغفر له؟ أسـبـع مـــرّات؟" أجابه: "لا أقول لك سـبـع مـرّات، بـل سـبـعـيـن مـرّة سـبـع مـرّات" (متّى 18: 21-22)، أي الصفح بلا حدود.

 

التسامح المطلق لا يوجب النسيان الكامل للإساءة وللأسى لأنّ "الأسى لا يُنسى" حكمة سوريّة. ولا يعني تجاهل الإساءة أو تبريرها. منطقيًّا من الأفضل مقاطعة مَن أساء الينا وعدم زيارته أو مصاحبته أو التعامل معه إن لم يكن من أهل البيت. والصفح لا يرتبط بانتظار كلمة اعتذار من الطرف المُسيء بل هو التحرّر من المشاعر السلبيّة التي تولّدت في داخلنا، مثل الرغبة في الانتقام او المعاقبة، كي نتخلّص من الغصّة والألم المضني الذي ينغّص حياتنا. ويبذل عدد من الأخصائيين النفسيين كلّ جهد لاقتلاع المعوّقات الضميريّة السلبيّة، ويشجّعون الانسان على تحويل عقله نحو الإيجابيّة: أي أن يسامح الإنسان نفسه والآخر، وينمّي في ضميره المشاعر الايجابيّة من محبّة الآخر ومحبّة الخير والسلام لتحلّ محلّ المشاعر السلبيّة. وفي هذا الجوّ من تناغم المشاعر يتمّ الشفاء نفسيًّا وجسديًّا.

 

خاتمة

 

العفو عند المقدرة يدلّ على الخلق الرفيع. لقد ورد في الكتاب المقدّس "كما صفح عنكم الرّبّ، اصفحوا أنتم أيضًا" (قولسي 3 : 13).

 

"إذا لم تُسامح وأنت الكريم *** فمن ذا الذي يرحم المُذنبا؟" (إيليا أبو ماضي).