موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط يكتب حول الصلاة من أجل الوحدة المسيحية

د. ميشال عبس :

 

الأسبوع من 18 الى 25 كانون الثاني من كلّ عام، هو أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين. هذا تقليد قد أصبح جزءًا من السنة المسيحيّة، تشترك فيه كنيسة المسيح حول العالم.

 

منطلق هذا الأمر شعور عند المسيحيّين أنّ البيعة قد تجزّأت إلى درجة التشرذم وأنّ أبناءها قد أصبحوا متنافرين متنابذين، لا يَجمَعُهم "الكلمة" ووصيّته.

 

إنّ في هذا الإتجاه مفهوم خاطئ للأمور ومقاربة تحتاج إلى تصويب.

 

من الطبيعي أنّ العقيدة المسيحيّة، من خلال إنتشارها في شتّى أقطار المعمورة، سوف تتخّذ أشكالًا ثقافيّة وتنظيميّة وحتى سياسيّة مختلفة.

 

لقد دأب كلّ من اعتنق المسيحيّة أن يعطيها طابعه الثقافي أو حتى الإثني أو السياسي، في محاولة منه "لامتلاكها" وجعلها جزءًا من حضارته. لقد طُبعت المسيحيّة بشتّى الأشكال الثقافيّة والحضاريّة حتى أنّ بعض عقائد ما قبل المسيحيّة قد تسلّل إليها عبر الممارسات الشعبيّة للذين أقبلوا على العقيدة المسيحيّة. إنّ الدارسين في عِلم الأنثروبولوجيا يجدون هذه الفروقات بادية للعيان وأحيانًا مبطّنة ضمن معتقدات الناس وتقاليدهم.

 

ولكن ما يجب ذكره في هذا السياق هو أنه، رغم الإنتشار الكونيّ للمسيحيّة وتنوّعها، فإن الأسس التي قامت عليها الممارسات العقيديّة المسيحيّة بقيت هي نفسها، وما كان نافرًا لُفظ خارج سياق الإيمان المسيحي.

 

يكون واهمًا من يظن أنّه يمكن أن تكون المسيحيّة مؤسّسات وممارسات مستنسخة عن بعضها البعض، فهذا عكس منطلقاتها وقيمها الأساسيّة. عندما قال لهم السيّد أن يذهبوا ويبّشروا جميع الأمم كان يعلم علم اليقين أنّ هناك "أممًا"، أيّ ثقافات، يجب إيصال رسالة المحبّة والغفران إليها، بلغّاتها وعقليّاتها وعاداتها وتقاليدها، ولم تمتنع المسيحيّة أن تتخّذ أشكالًا تطبيقيّة مختلفة باختلاف المحيط.

 

الِعبرة في أن تكون المسيحيّة واحدة في التنوّع ومتنوّعة في الوحدة، قادرة أن توصل كنوزها القيميّة والسلوكيّة إلى كافة الحضارات على أن تعطيها كلّ حضارة طابعها.

 

في هذا السياق يأتي أسبوع الصلاة من أجل الوحدة. يجمع أبناء الإيمان الواحد على تنوّعهم لكي يؤكدوا خلاله أنّ الرسالة الأساسيّة تبقى هي نفسها. حتى اختيار تاريخَي بداية ونهاية الأسبوع لهما رمزيّتهما من ضمن مسار انتشار الإيمان المسيحي فتاريخ 18 الشهر هو يوم اعتراف القديس بطرس وتاريخ 25 الشهر هو تاريخ اعتناق القديس بولس المسيحيّة.

 

في السنة الحالية، 2022، يشكّل الشرق الأوسط، عبر مجلس كنائسه، نقطة مركزيّة في أسبوع الوحدة وقد جرى شرح وتوضيح هذا الأمر في مقالات ومداخلات شتّى لا سبيل للعودة إليها في هذا المكان. أمّا موضوع أسبوع الصلاة "رأينا نجمه في المشرق فجئنا لنسجد له" (مت 2:2)، فمهما كتبنا حوله، الزملاء وأنا، فلن نفيه حقّه من التأمل والتحليل.

 

خلال هذا الأسبوع ستصلّي كنائس العالم مجتمعة، انطلاقًا من الشرق الأوسط، للسيد المتجسد، مؤكدة وحدتها في العقيدة والقيم والسلوك.

 

ستقول الكنائس مع بعضها البعض للإنسانيّة أنّ رسالة السيّد باقية على وصاياه وأنّ البيعة باقية ما بقيَ الكون، موحدّة في تنوّعها ومتنوّعة في وحدتها، تشّع ضياءً وأملاً من أجل مستقبل أفضل للبشريّة.