موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٦ ابريل / نيسان ٢٠٢١

يوم مليء بالكتب

سفيرة مملكة اسبانيا لدى المملكة الأردنية الهاشمية

سفيرة مملكة اسبانيا لدى المملكة الأردنية الهاشمية

ارانثاثو بانيون دابالوس :

 

23 نيسان هو تاريخ مهم للأدب العالمي، ففي ذلك اليوم من عام 1616 مات ثلاث من أبرز الشخصيات: ميغيل دي ثيربانتس، أعظم كاتب في اللغة الإسبانية، ويليام شكسبير، أعظم كاتب في اللغة الإنجليزية والإنكا غارثيلاسو دي لا بيغا، أول كاتب عالمي للقارة الأمريكية. إنها بلا شك صدفة تاريخية ذات رمزية مميزة.

 

بصفتي سفيرة لإسبانيا، أود أن أغتنم هذه الفرصة لإبراز شخصيات ميغيل دي ثيربانتس وإنكا غارثيلاسو، ومعهما اللغة التي ساهما في إثراءها والتي يتحدث بها اليوم أكثر من خمسمائة مليون شخص حول العالم.

 

يمكن أن تكون حياة ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا في حد ذاتها رواية. جنديًا وجابي ضرائب وروائيًا وشاعرًا وكاتبًا مسرحيًا، ثيربانتس سافر في جميع أنحاء إسبانيا وإيطاليا، حيث كان هاربًا من القانون بعد مشاركته في مبارزة بالسلاح. لقد حارب ضد الجيش التركي في معركة ليبانتو، التي وصفها لاحقا بأنها «أسمى حدث شهدته القرون السابقة و الحالية و حتى أنها لن تتكرر في المستقبل». في هذه المعركة أصيب بجروح وفقد حركة يده اليسرى، حتى أنه عُرفَ منذ ذلك الحين باسم «أبتر الذراع من ليبانتو». خلال عودته من إيطاليا إلى إسبانيا، تعرض قاربه لهجوم من قبل قراصنة أتراك أخذوه سجينًا إلى الجزائر وطالبوا بفدية للإفراج عنه. حاول ثيربانتس ما يصل إلى أربع مرات الفرار من خاطفيه دون جدوى، إلى أن أُطلق سراحه أخيرًا، بعد قرابة خمس سنوات في الأسر و بعد دفع الفدية. كانت إقامته في الجزائر نقطة تحول في حياته وانعكست في بعض أعماله. عند عودته إلى إسبانيا، جمع بين نشاطه الأدبي وعمله كجاب الضرائب. منذ ذلك الحين بدأ بكتابة الأعمال التي جعلته خالدا.

 

من الواضح أن رواية «براعة السيد كيخوته دي لا مانشا» تبرز فوق كل الروايات الأخرى، وهي تحفة من روائع الأدب الإسباني وتعتبر بكل إستحقاق بأنها أول رواية حديثة. لكن أكثر من كونها مجرد رواية، ساهم ثيربانتس في خلق أسطورة، شخصية تتجاوز الأدب لتصبح مرجعية عالمية. بعد نشرها، كان النجاح فوريًا، حيث تمت ترجمتها إلى اللغات الأوروبية الرئيسية.حيث أنها في المرتبة الثاتية بين الروايات المترجمة لأكبر عدد من اللغات بعد الكتاب المقدس. بلغت شهرة الرواية درجة أن كاتبًا آخر أراد الاستفادة منها من خلال كتابة الجزء الثاني، فيما نعتبره اليوم انتهاكًا صارخًا للملكية الفكرية. رد ثيربانتس بنشر الجزء الثاني الحقيقي الذي استنكر فيه من خلال شخصية دون كيخوته نفسه هذا التزوير.

 

ومن الجدير بالذكر للقارئ العربي هو أن ثيربانتس (في لعبة أدبية) كان قد نسب تأليف الرواية إلى مؤرخ مسلم إفتراضي يسميه سيد حميت بننجلي، وهي ليست سوى دليل على مستوى التأثير العربي على الأدب الإسباني في العصور الوسطى و في عصر النهضة. مثال آخر على هذا التأثير هو شخصية سانشو بانزا، رفيق دون كيخوته المخلص، والذي يجمع بين الحماقة والحكمة مستوحى إلى حد ما من شخصية جحا، التي تحظى بشعبية كبيرة في الأدب العربي.

 

أما بالنسبة لإنكا غارثيلاسو دي لا بيغا، فهو على الأرجح أحد أفضل دعاة التمازج العرقي والثقافي في أمريكا الإسبانية. وُلد هذا الكاتب والمؤرخ في كوثكو، في بيرو الحالية، وكان ابن جندي إسباني وأميرة من الإنكا،من سلالة أحد آخر حكام إمبراطورية الإنكا. عاش بين بيرو وإسبانيا، حيث أتيحت له الفرصة لمقابلة ثيربانتس، ومثله، جمع الكتابة بمهنة عسكرية. أهم أعماله هي «التعليقات الملكية للإنكا»، حيث يشرح تاريخ وتقاليد بيرو ما قبل الكولومبية، والتي أعقبها «التاريخ العام لبيرو»، حيث يروي الغزو الإسباني لهذه الإمبراطورية. تمامًا كما في العمل الأول، قام بتمجيد أسلافه الأصليين، في العمل الثاني فعل ذلك مع تراثه من أصل إسباني، حيث أن كلاهما يشكلان هوية هذا الكاتب العظيم.

 

إذا كان اختلاط الأعراق هي إحدى السمات المميزة للإنكا غارثيلاسو، فهي كذلك إحدى سمات اللغة الإسبانية، والتي و مع كونها إبنة اللغة اللاتينية فقد تمكنت من إحتواء أكثر من أربع آلاف كلمة من أصل عربي، يتم إستخدام أكثر من نصفها بحياتنا اليومية ككلمة المخدة أو البرنوس أو أزهار.

 

لذلك، ليس من المستغرب أن تعلن اليونسكو يوم 23 نيسان يومًا عالميًا للكتاب، وبالنسبة للأمم المتحدة هو يوم اللغتين الإسبانية والإنجليزية، تكريمًا للعظماء الذين يمثلون اللغتين الأكثر أهمية في العالم.

 

(جريدة الرأي الأردنية)