موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢ ابريل / نيسان ٢٠٢١

يوم صلبَ العبيدُ السيِّد

د. ميشال أ. عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال أ. عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال عبس :

 

لمّ يعلم العبيدُ وعبيدهم في حضرة من كانوا، فشنّعوا وقسوا وتعسَّفوا!

 

يوم وقف السيِّد أمامَ جلّاديه، على مختلف مُسّمياتهم، منصتًا ومتحمِّلاً كلّ التُهم والمهانة، كان يدرك أنّه يفدي من كان ينتظره ولم يعلم أنّه أتى إليه فاديًا.

 

يوم تحمّل السيِّد التعنيف والتقريع والظلم، لم يتوانى لحظة عن المضيّ في مسيرة الفِداء حتى النهاية.

 

يوم انهالت سياطهم على تجّسُده، لم يلمهُم ولم يغلظ خاطره عليهم، بل تمادى في محبّته التي لا حدود لها ولا شروط.

 

يوم حملَ صليبه وجراحه ومضى إلى نهاية الرسالة، لم يبخل بعطاء الدمّ الإلهي الذي سفك للعهد الجديد.

 

يومَ انهالت المطارق تغرُز المسامير في الإله المتجسِّد، لم تمرّ ملامة واحدة في خاطر السيِّد.

 

يومَ نحرَ العبدُ المأمور رئَة السيِّد، لم يفهم ما الذي سَال منها وخطورة ما سَال منها.

 

يومَ سقوه الخلّ، لم يعلم عبيد العبيد أنّهم كانوا يسَّطِرون آخر فصلٍ من مَلحمَة الفِداء.

 

من بين المئات الحاضرين، وربما الآلاف، قلّة قليلة فهمت ما كان يجري.

 

في هذا اليوم العظيم، كانت تُكتَب سطورُ تاريخ جديد للإنسانيّة جمعاء!

 

في هذا اليوم التاريخيّ، كانت بداية العهد الجديد للبشريّة!

 

في هذا اليوم الدهريّ إنتصر الحقُّ على الباطل وارتفعت منارة الحياة الأبديّة على فوهة عدم الفناء.

 

لم يحلم يومًا العبيد وعبيدهم ان أداة الغيلة التي صلبوا عليها السيِّد سوف تتحوّل رمزًا للمحبّة والخدمة والرفق بالخليقة.

 

لم يتبادر إلى اذهان شهود الزّور أنّ الردّ على الكراهية سيكون بالمحبّة وأنّ الردّ على الظُلم سيكون بالرحمَة.

 

ليتَهُم فهِموا ما كان يجري!

 

ليتَهُم التقطوا الإشارات!

 

لكانوا وفّروا على الجنس البشري قرونًا من الإستبداد والإضطهاد وألوفًا من شهداء رموهم فريسة للضواري بعد أن حكموا عليهم بعقلهم البطّاش وقلوبهم المتحجّرة.

 

لو عَلِموا أنّهم أمام سيِّد القيامة، لكانوا وجَلوا وتهيّبوا وارعووا عما يفعلون.

 

لذلك طلب السيِّد من أباه السماويّ أن يغفر لهم. لم يكونوا مدركين ما كانوا فاعلين.

 

أمّا نحن اليوم، فإنّنا نُدرِك تمامًا جوهر الرسالة، ونحن سائرون بها وفيها حتى انقضاء الدهر!