نريد بصمتنا في الشرق الأوسط الأخضر

كاد صديقي أن يقتلع أذنيه من جذورهما، من شدة تصفيره المتواصل تحت كمامته الضيقة، غير مصدق ما حدثته به عن مبادرة لزراعة 50 مليار شجرة في الشرق الأوسط؛ لتحويله إلى شرق أوسط أخضر، بعد أن عاش عمره أغبر تذروه ريح الحروب والكروب والندوب.

ربما يحقُّ لصديقي ألا يصدق هذا الرقم الكبير المهول، والذي سيكون إن تم أكبر حملة تشجير عبر التاريخ. ولكنه ينسى أن لا مستحيل أمام إرادة الإنسان، حين يريد من كل قلبه.

في العالم الماضي حقّقت أثيوبيا رقماً قياسياً في زراعة الأشجار في مبادرة أطلقت عليها «البصمة الخضراء» هدفت إلى زراعة 5 مليارات شجرة. وتحقّق الهدف وقد تابعت تفاصيله حيث إنهم زرعوا في يوم واحد 350 مليون شجرة.

مبادرة الشرق الأوسط الأخضر أطلقها ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة وقد بعث بالمقترح إلى سائر بلدان المنطقة. أظن أن المبادرة صعبة جداً جداً. ولكنها ليست مستحيلة. فهل ياتي حين من الدهر يكون الشرق الأوسط أخضر؛ كي يعوض عن ما نُفثت من كربون كانت سببا في اعتلال في صحة أمنا الأرض. هل يأتي ذلك الحين؟

ربما نحن سيكون حصتنها من المبادرة نصف مليار شجرة. وهذا عظيم. ولكن من الأولى لنا قبل أن نشرع ونزرع ألا نقطع أو نقلع. فغاباتنا التي لا تتجاوز 1% من مساحة البلاد تتعرض لحملة جزارة ممنهجة على يد مافيات التحطيب، تحت بصر وسمع الجميع.

ما زال لدي حلم أن يمشي الراكب من عمان إلى بغداد تحفه الأشجار وتظلله وتسليه، كما كان في سالف العصور، حسب قول العلماء وتصورهم. وأن تصبح عمان مزركشة بالحدائق تطريها نقاوة الأكسجين، وأن تلتحم أشجار شارع الأردن وتغدو الطريق إلى العقبة كغمضة عين، لتنوع أشجار الجانبين.

لدي حلم أن نزرع في العام ملايين الأشجار ونرعاها ونستميت في حمايتها وأن نستثمر غاباتنا بطرق صحيحة وعلمية مدروسة، وأن نستحدث المشاريع التي تلائمها وتنميها وتنمينا. لا أن ندمرها من أجل أقامة صناديق الاسمنت البلهاء.

لدي حلم أن تكون الشجرة أولية كبرى في حياتنا، وأن لا تضيع غابات معمرة بجرة قلم من مسؤول غافل أو متغافل، لدي حلم أن يفرض على كل مستثمر غرس شجرة عوضاً عن كل متر مربع يغرسه من الإسمنت.

لدي حلم أن تكون الشجرة أختا لنا.

(الدستور الأردنية)