موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢

ماذا تفعل عندما تستيقظ؟

بقلم :
مايكل عادل ماركو - المجر
يا من أبدعت في خلق هذا الكون اجعلنا نكون مبدعين في حياتنا اليومية،

يا من أبدعت في خلق هذا الكون اجعلنا نكون مبدعين في حياتنا اليومية،

 

إذا كنت من فئة الأشخاص الذين يبدأوا يومهم بتصفح شبكات التواصل الاجتماعي عند الاستيقاظ، وتحاول متابعة كل ما هو جديد على الإنترنت لتملئ شغفك اليومي فهذا التأمل لك.

 

 

عادة جديدة

 

الكثيرون منا أول ما يفعلونه بعد الاستيقاظ هو فتح الإنترنت وتصفح شبكات التواصل الاجتماعي والبحث بشغف عن شيء جديد، ويظل الشخص يبحث ويبحث عن أي شيء جديد أو خبر ممتع، وبعدها يبدأ يومه بأحاسيس مختلطة ولا يعرف كيف يمكن اشباع مشاعره الداخلية الكثيرة التي تراوده اليوم كله.

 

في حين إذا استطعنا تبديل هذه العادة بأن يكون أول ما نبدأ به يومنا هو عملية بحث لا تزيد عن 5 دقائق في رسائل الخالق، الموجودة في الكتاب المقدس وقراءة القراءات اليوميّة، فخلال هذا الوقت القصير ستتغلغل في داخلنا كلمات ورسائل إلهية تحمل الكثير من الوعود التي تشبع شغفنا في بداية اليوم. وكيف يمكننا هذا؟

 

 

أترك لمخيلتك المساحة

 

حاول عند قراءة نصوص العهد الجديد، وضع الأشخاص في مشاهد سينمائية واترك لمخيلتك المساحة لتخيّل شكل المكان ومحاولة الإحساس بمشاعر أبطال القصة. والاستفادة من التخيّل في فتح عالمك الداخلي مع عالم الكتاب المقدّس. بهذه الطريقة سنسمح لأنفسنا بالتأمل في النص بمنظور شخصي، ونبدأ الدخول في عمق المشاهد، وسيتضح لنا الرسائل الخفية في كل موقف ومشهد وحوار إنجيلي.

 

 

أدخل إلى العمق

 

فلنأخذ انجيل القديس لوقا الإصحاح الخامس مثالا، ونحاول الآن قراءة النص من منظور شخصي، حيث يبدأ هذا المشهد السينمائي الفريد بصيادين لديهم ما يكفي من الخبرة لممارسة عملهم اليومي، ولكن بالرغم من الروتين وثقتهم بأنفسهم إلا أنهم لم ينجحوا في اصطياد سمكة واحدة طوال فترة العمل، ومن هنا يبدأ الخوف والقلق يتغلغل بداخل صاحب العمل "سمعان" الذي يشعر بأنهم لن يستطيعوا الرجوع للمنزل بقوت حياتهم اليومي.

 

وفي توقيت غير متوقع يظهر في المشهد هذا المعلم الذي يلتف حوله الكثيرين من أتباعه، لا يعرفونه ولا يظهر عليه الخبرة بطبيعة عملهم التي ربما ورثوها من أجدادهم وآبائهم، بالرغم من هذا يوجه هذا الشخص الغريب "السيد المسيح" رسالة لصاحب المركب سمعان "ابعد الى العمق والقوا شباككم للصيد" عبارات قصيرة اخترقت بسرعة قلبه لدرجة أنه لم يفكر إلا في أن يشارك السيد المسيح اتعابهم خلال فترة العمل قائلا: تَعِبنا طَوالَ ٱللَّيلِ وَلَم نُصِب شَيئًا" وفي مشهد فريد يقبل قائد هذا المركب سمعان أمر السيد المسيح ويجيبه " ولكن على كلمتك القي الشبكة "

 

يا لها من دهشة، فهل يقبل في عالمنا اليوم أي قائد أو صاحب منصب كلام أشخاص ليس لديهم ما يكفي من الخبرة في مجالهم ويخاطروا بوقتهم ومجهودهم؟ وبالأحرى هل يستطيع شخص ليس لديه خبرة في مجال عمل الأخرين بالتطوع وتقديم نصائح وأوامر لمن لديهم خبرات قيمة؟

 

لكن الموقف بين السيد المسيح وسمعان مختلف، فكان للسيد المسيح خطة ودراية بما يفعل. وفي داخل سمعان كان هناك اشتياق واحتياج لقائد يشير له على الطريق الصحيح ويغير طريقته التقليدية الاعتيادية في العمل، وبناء عليه أمر سمعان من معه في المركب ليسيروا إلى العمق بناء على تعليمات السيد المسيح.

 

وهنا تحدث المُفاجأة بأن يمتلئ المركب بالسمك الذي يرمز للخير الوافر، ويكتمل روعة المشهد بفعل يظهر شخصية سمعان الرائعة، بأنه أراد أن يشارك الآخرين هذا الخير، وبدون تفكير وبدوافع نفسية تدلّ على شخصية سمعان الفريدة يطلب من الآخرين أن يشاركوه في الخير، يشاركوه في الأرباح.

 

 

الاتجاه الصحيح

 

لك أن تتخيل أن يشارك صاحب شركة الآخرين في أرباح عمله الذي تعب فيه، فأي إنسان هذا الذي لا يبخل بتعبه وأرباحه على الآخرين! إنه شخص فريد يعبر عن مشاعره بكل تلقائية، يشارك السيد المسيح مشاعره المختلطة، فاعترف أمام السيد المسيح بأنه رجل خاطىء بقوله: "اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!". قائد يكشف عن نفسه ويعترف أنه خاطئ، وفي اعتقادي الشخصي "سمعان بطرس" في هذا الموقف لم يتحدث عن الخطيئة الناتجة عن عمل أخلاقي انما عبر عن سيره في الاتجاه الخاطئ وانحرافه عن الطريق الصحيح، وانه رأى في السيد المسيح هذا النور الذي قاده إلى الطريق الصحيح، وقد شعر كقائد بأنه من الأفضل له أن ترشده قوة إلهية وتنير له الطريق ليأخذ القرار الصحيح، فكلمات السيد المسيح الأولى "ادخل إلى العمق" كانت بمثابة نور أرشده لطريقة تفكير مختلفة عن التي اعتاد عليه، طريقة أو أسلوب غير مقبول بالمفهوم البشري. فالقائد دائمًا يحاول أخذ قراراته بحرص وحذر ليتفادى المخاطر، ولكنه مع السيد المسيح شعر لأول مرة أنه شجاع، فمع المسيح توجد تجارب واختبارات جديدة في اغلب الأوقات نختبر من خلالها تواجدها الدائم معنا.

 

 

مهمة جديدة

 

ينتهي دور سمعان بهذا المشهد، بعدما سمع- نفذ- وعبّر عما بداخله، ليدخل السيد المسيح في مشهد جديد ويفاجئ سمعان بقوله "لا تَخَف!" وهنا يدخل إحساس سلام وطمأنينة لم يشعر سمعان بها في حياته من قبل، فكل الخوف والقلق الذي كان يراوده قبل ساعات بأنه لن يستطيع الرجوع بقوت حياتهم اليومي، قلق اقترن بتعب جسدي وضغوط نفسية بمتطلبات الحياة، كل هذه المشاعر ذابت وهربت بمجرد سماع "لا تَخَف!" ولم يكتفي السيد المسيح بهذا إنما منحه منصبًا جديدًا فقال السيد المسيح لسمعان "سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلنّاسِ صَيّادًا". أكيد في البداية كل ما جال في خاطر هذا الصياد البسيط بأنه لن يكون بعد اليوم صياد سمك، وتم منحه منصب لم يسمع عنه من قبل وهو اصطياد الناس، فرح وتقرب لما سيكون هذا العمل الجديد، وترك هو ومن معه كل شيء من خير وأرباح وتبعوا السيد المسيح. القائد سمعان قبِل أن يقود الآخرين لهذا القائد الجديد عندما أختبر القيادة الحقيقية.

 

أما السيد المسيح بدوره عرف أن سمعان هذا الصياد البسيط الذي نجح في هذا الاختبار، سيشاركه في رسالة صعبة تحتاج إلى الانفتاح على إرادة الله وشجاعة حقيقة وعدم الخوف طالما أن السيد المسيح هو القائد. هذا الصياد البسيط جعله السيد المسيح قائدًا وصخرة ترتكز عليه كنيسة المستقبل. عرف السيد المسيح نقاط قوة وضعف سمعان، وبالرغم من هذا صار سمعان بطرس قائد كنيسته؛ "أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت 16: 18). فكم قائد في عالمنا اليوم يُظهر نقاط قوة شركائه في العمل، ويثق بهم بالرغم من نقصهم التي يعرفها؟

 

 

طاقة إيجابية وسط التحديات اليومية

 

يا له من مشهد يجعلنا نتوقّف عنده في بداية يومنا ونفكر فيه طوال اليوم. إن هذه المفاهيم والأحاسيس التي شعرنا بها خلال الوقت القصير الذي تأملنا فيه بالرسائل الإلهية في الصباح تساعدنا على بدأ يومنا بأفكار ليست أرضية. مشهد يساعد أن يكون روتين يومنا مختلف، لأنه ولدت بداخلنا شحنة طاقة إيجابية تساعدنا على تخطي التحديات اليومية وعدم التوقف أمام تفاهات ونقص الآخرين الذين لا يستطيعون رؤية الإنسان الذي بداخلنا، بل كل شغلهم الشاغل المادة والنقود والكسب السريع.

 

هذه الطاقة الإيجابية التي استطاع نص واحد من الكتاب المقدس إدخالها علينا تحتاج لتجديد لتستمر في دفعنا للإمام والسير بروح السعادة في وسط الأحزان، والنظر للأشياء اليومية بشكل مختلف، وبهذا نكون نور وملح في كل مكان نتواجد فيه.

 

يا من أبدعت في خلق هذا الكون اجعلنا نكون مبدعين في حياتنا اليومية،

يا من يجدد يوميًا الكون بالطاقة الإيجابية، امنحنا أن نعيش ايجابيين،

يا خالق النور اجعلنا نورًا يضيء في عالم اليوم.