موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٥ مارس / آذار ٢٠٢١

فلاتر الجنة والنار

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي :

 

يبدو أن رحى الموت من حولنا، لم تعمل على تخفيض منسوب القسوة والغطرسة في حياتنا. لم يجعلنا هذا الموت، أكثر ليناً وسهولة وطيباً وتسامحاً، بل ترانا مع الأسف نتفاقم غلظة، وعنفاً وإقصاء للآخرين عن أماكن ليست لنا.

 

مع وفاة الكاتبة والطبيبة الدكتورة نوال السعداوي فاضت وسائل التواصل الاجتماعي بكم كبير من تلك الغلظة، وبذلك العنف اللفظي والنفسي، ليس عليها فحسب، بل على كل من ذكرها بخير، أو أثنى على كتاب من كتبها، أو أشاد بفكرها، أو حتى ألمح إلى قدرتها على إثارة السؤال وحفز التفكير.

 

المؤكد لدي أن معظم الذين اتخذوا هذا الموقف لم يقرؤوا كلمة واحدة للكاتبة. ولم يطلعوا على كتاب لها، أو دراسة أعدتها، أو أطروحة قدمتها. بل هم قد انساقوا بواسطة نظام «الفزعة والقطيع»؛ فكونوا آراءهم وموقفهم عنها، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة التفكير.

 

هذه السيدة عاشت وماتت مسالمة، لم تملك إلا قلمها وفكرها. فلماذا لم نستخدم معها السلاح نفسه؛ إن كنا دعاة حق وعدل وحياة؟. لماذا لا نهاجم وندحض أفكارها بطريقة علمية محترمة تقدر العقل؟ لماذا فقط نستخدم أحكامنا الجاهزة المعلبة التي أعدها آخرون لنا؟ لماذا نسمح لهم بأن يفكروا عنا، ويصدروا قراراتهم باسمنا؟.

 

البعض هبط إلى مستوى أكثر انسحاقاً حين هاجم شكلها، مع أنها في التسعين من العمر. وهذا يجعلني أتساءل بمرارة وألم: يا ترى لو كانت وافرة في الجمال، هل كان سيتغير موقفنا منها؟، هل كنا سنرحمها قليلا من إطلاق أحكامنا ونرحمها من عنفنا؟

 

المتعب والمؤلم أن كثيرين باتوا يشغلون أنفسهم بأدوار ليست لهم، ولن تكون لهم من حسن الحظ. فهم قد نصّبوا أنفسهم (فلاتر) ومنقصات للجنة والنار، وصاروا يوزعونهما كيفما شاؤوا، وبالطريقة التي يريدونها: فلان في الجنة، وعلان في النار. فما شأنك أنت إن كان سيدخل الجنة أم لا؟، وما يضيرك إن دخلها أو خرج منها؟. هل كان سيأخذ مكانك فيها؟.

 

أرى أن وراء هذه النقطة المهمة شيئاً حساساً، وهو أننا ننظر بكل غباء إلى مثل هؤلاء نظرة استعلاء. فنحن مضمونون في الجنة، ولنا كراسينا فيها، فيما هم حطام في النار ووقود لها، وإن كل ما قدموه للحياة لا قيمة له عند خالقهم. وإننا نحن فقط من سيهتم بنا وسيرفع شأننا في عليين.

 

دعوا الجنة والنار لخالقهما. ولا تنصبوا أنفسكم أوصياء على علّام الغيوب؟.

 

(الدستور الأردنية)