موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٥ أغسطس / آب ٢٠٢٢

عن لغتنا مرة أخرى

 د. لانا مامكغ

د. لانا مامكغ

د. لانا مامكغ :

 

نتساءلُ، في ضوء المقالةِ السّابقة، عن دورِ مجامع الّلغةِ في الوطنِ العربي، وعن وظائفِها التّنويريةِ في الحفاظِ على الشّخصيّة القوميّةِ للغتنا، قبلَ أنْ تتحوّلَ هذه المجامعُ إلى متاحفَ لغويةٍ إذا بقي الأمرُ على ما هو عليه، هذا، دون أنْ ننسى دورَ المناهج، والمعلّمين، ووسائلِ الإعلام التي أحسبُ أنَّ لها التأثيرَ الأكبرَ في هذا الشّأن.

 

فنحنُ أنفسُنا لم نعد قادرين على التّمييز، والتّفريقِ بين طغيان الكلمات الأجنبيّة الذي فرضَه التّطوّرُ، والتّفوّقُ العلمي على لغتنا، وبين ما نسمعُه من عشّاقِ الاستعراضِ الّلغوي، أو من أولئك أصحابِ القرارِ المُسبق بالخصومةِ مع اللغة الأم!

 

فطغيانُ الّلغة الإنجليزيّة تجاوزَ المفردات إلى أساليبِ التّعبير، مثل فعل (Play) الذي يعني لديهم: الّلعبَ، والتّشغيلَ، والأداءَ، والعزف… في حين أنَّ العربيّة تقدّمُ مفرداتٍ مناسبة لكلٍّ منها، يعني يمكنُ القول: “يؤدّي دوراً” بدل “يلعبُ دوراً” و”يعزفُ الموسيقا” بدل “يلعبُ الموسيقا”… إلخ.

 

كما درجتْ على ألسنةِ الإعلاميين، ومحرّري الأخبار صيغةٌ إنجليزيّة مثل: “نوقشَ مشروعُ القانونِ من قِبلِ النّوّاب” والأصح: “ناقشَ النّوّابُ مشروعَ القانون… “لأنَّ البناءَ للمجهول مقيّدٌ في لغتنا بشروطٍ معيّنة، وليس مطلقاً شائعاً كما في الانجليزيّة.

 

وانسحبَ الأمرُ على الّلفظ، فالحرفُ المظلوم في لغة الضّاد هو حرفُ “الضّادِ” نفسُه، إذ تلفظُه بعضهنَّ “د” في حين يلفظُه معظمُ شبابنا “ظ”!

 

وأجزمُ أنَّ معظمَ طلبتِنا الجامعيين لا يعرفون أنَّ حرف الصّاد يُكتب مع “سن” أو نبرة، مثلاً، وكذلك الأمرُ بالنّسبةِ لرسمِ حروفٍ عربيّةٍ أخرى عديدة، أو استخدام “الشّدّة” أو”همزة المد” حين تلزمان، إضافةٍ إلى ضعفٍ عام في تلك المهارات، أو زهدٍ في تعلّمها أصلاً …

 

أمّا الأدعى للدّهشةِ، والاستهجانِ هذا السّياق، هو ظاهرةُ الأدعية، تلك التي تصلنا بكثافة عبر “الواتساب” يوميّاً، فثمّةَ مواقعُ الكترونيّةٌ شاءَت أنْ تتبنّى هذا الجانب، فتصمّمَ لوحاتٍ دينيّةَ الطّابع، مزخرفةً ومُزيّنةً بالزّهور، والفراشاتِ، والطّيور، وتحملُ نصوصاً مكتوبةً، في معظمها، بشكلٍ خاطئ مستفز مثل: “الّلهمَّ صلّي على سيّدنا محمّد…” “الّلهمَّ إجعله يوم مبشّر بكلِّ شى نتمنّاه” “ أسألُ الله أن يزف أسمي وأسمائكم …” و “أسعدَ اللهُ مساؤكم” … والأمثلة عديدة، حتّى أنَّ بعضَ التّجاوزات تمسُّ الآياتِ القرآنيّةِ ذاتَها!

 

ممّا يشير إلى أنَّ بعضَ (مصانعِ) الأدعيةِ تلك، لم تُكلّف خاطرَها بالتّدقيق الّلغوي الأمين فيما تنشرُه بين الخلْقِ من ثقافةٍ دينيّة!

 

من جانبٍ آخر، ينسحبُ الأمرُ ذاتُه على بعضِ خطّاطي الإعلانات غير الملتزمين بالقواعدِ الإعرابيّة، أو الإملائيّة، إذ تنتشرُ بيننا دون حسيبٍ، أو رقيب، رغم وجودٍ قانونٍ طويلٍ عريض لحماية الّلغة العربيّة!

 

بعد ذلك كلِّه، نعودُ لنقعَ في تناقضاتٍ عجيبة، فنحنُ نتغنّى بجمال الّلغة العربيّة كلَّ حين من منطلقاتٍ عاطفيّةٍ بحتة، في الوقت الذي نمعنُ في تشويهِ هذا الجمال، والإساءةِ إليه، حتّى سيأتي يومٌ تتحوّلُ فيه إلى لغةٍ لا صلةَ لها بنا، أو بذاتها … علماً أنَّ لا وجودَ، في رأيي، للغةٍ جميلةٍ، أو قبيحة، فأيُّ لغةٍ قد تكونُ جميلةً، ومؤثّرة، إذا أُحسنَ استخدامُها، وأدّت المطلوبَ منها في التّواصلِ الإنساني بدقّة، وبلاغةٍ، ورشاقةٍ، وأناقة!

 

(جريدة الغد الأردنية)