موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٨ ابريل / نيسان ٢٠٢١

عن عدوى الفرح أتحدث

هيا عاشور - موسكو

هيا عاشور - موسكو

هيا عاشور :

 

قبل اربعة ايام عندما تعكرت الاحوال في الأردن، ضاق خلقي وحزنت وطلعت امشي من غابة لغابة بطريق فرعي لنفق وجدت نفسي بعدها في مجمع تجاري كبير.

 

دخلت امشي به وابحث عن ماء لأشتريه، اشتريت الماء واسترحت بأحد المقاهي وشربت قهوة ودخلت إلى دورة المياه وغسلت وجهي، ولم يتوقف غضبي وقلقي، ثم دخلت إلى احدى محلات بيع الملابس واخترت محل ليس به زبائن كثر وامسكت بيدي خمسة فساتين واربع بلايز، وثلاثة تنانير وبنطالين ودخلت لغرفة القياس. ليس لدي رغبة بالشراء ابدا.

 

لكني بدأت أقيس لاشتت فكري عن ما يقلقني. غبت في الداخل نصف ساعة، وأنا أقيس الفساتين واخرج وامشي بها امام المرآة. ثم أعيدها واعلقها كما كانت. والفتاة بالخارج تنظر اليّ بهدوء. جميلة ولطيفة جدًا ثم همست: "هذا الفستان يليق بك جدًا.. أأضعه على الكاش؟ ترغبين بمقاس آخر، كيف أساعدك؟"

 

قلت بصراحة: "أعرف أنه جميل ويليق بي وهذه الموديلات غالبًا ما ارتديها، ولدي ما يشبهه جدًا، ولكن بالحقيقة لا رغبة عندي بالشراء ولا حاجة لذلك، لكني منزعجة وقلقة ومشيت طويلًا ولم اهدء فاخترت محلك وأن أقيس الملابس لاعدل مزاجي آسفة لو ازعجتك، وسأعيد تعليقها كما كانت لا تقلقي".

 

ضحكت الشابة وقالت: "يا الهي ما اجمل الطريقة، أعجبتني هَيّا ساساعدك، ربما ذوقي المختلف عن ذوقك يعجبك". وركضت وسحبت ستاند على عجلات ودفعته خارج القياس وغابت وقتًا ثم صدحت أغاني حديثة بصوت مرتفع بالمحل، وعادت وهي تجر الستاند الذي حملته بفساتين وبلايز متنوعة واطقم.

 

وقالت: "جربيهم كلهم"!.

 

ومن كثر نشاطها وجمال ابتسامتها ولطفها وجدت نفسي استجيب بسرعة وكأن عدوى روحها وصلتني.

 

أول فستان لبسته وبدأت أعرض أزياء وهي بدأت ترقص امام المرآة. نظرت إلى حركاتها باستغراب ثم صرت أضحك من جنونها الذي عدتني به. وبدأت ابدل الملابس مرة تلو مرة. دخلت زبونة أخرى للمحل واتجهت باتجاه غرفة القياس، وبدأت هي الاخرى تجرب ما اختارته.

 

ثم انخرطت معنا بحديث عن ما ترغب بشرائه، ركضت الصبية واختارت لها وعادت.

 

خرجت السيدة وبدأت ترقص هي الاخرى أمام المِرْآة.

 

دخلت سيدة ثالثة واتجهت على الفور لمشاهدة الرقص.

 

ثم وقفت ترقص أمام المرايا الضخمة في قسم تبديل الملابس.

 

حسبت أن الجميع قد مسه جنون.. والصبية فكت رباط شعرها و بدأت تلوح برأسها يمينا ويسارًا إمام المرآة .

 

السيدة الأخيرة بيننا كانت في منتصف العمر تقريبًا بدأت ترقص رقصًا تقليديًا جميلاً جدًا وتلوح بيدها كما الفراشة.

 

صرت أضحك بجنون وأنا اربط على رأسي احد الشالات التي جلبتهم الشابة مع أحد الاطقم الرسمية.

 

سعدت جدا  وأنا أجرب الملابس. وارقص مع سيدات لا اعرفهن. والشابة تقول: "هنا فقط.. يا بنات ارقصن، لا يوجد كاميرات هنا".

 

وهدأنا تدريجيًا مع نهاية الأغنية وتحدثنا كما لو كنا نعرف بعضنا البعض.

 

وتبادلنا الآراء بالمشتريات وحاسبت السيدتان على مشترياتهما وودعاني والشابة البائعة في المحل ونحن نضحك، وأعدت تعليق الملابس كما وجدتها، ثم ركضت الشابة  البائعة كما العصفورة وخطفت من يدي احدها وقالت، "ألديكِ شيء يشبه هذا الموديل؟" قلت وأنا أفكر قليلا: "لا". قالت: "هذا عليه خصم أنا اخترته لك ويليق بكِ اشتريه.. هذا سيغير المزاج ويبعد الحزن بثمن قليل".

 

فقلت وأنا أضحك: "بالطبع ساشتريه".

 

قالت مبتسمة وهي تكبس الفاتورة بحقيبة المشتريات: "عودي مرة اخرى".

 

لا اذكر انني قابلت إنسانة مفعمة بالحياة ولطيفة مثلها. ولا أذكر أن احدهم اوصلني لمرحلة الشراء بكل سعادة وسلاسة كما فعلت.