موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٨ ابريل / نيسان ٢٠٢٢

سلاح الطاقة

أ.د. خالد البقاعين

أ.د. خالد البقاعين

أ.د. خالد البقاعين :

 

أوضحت الحرب الروسية على أوكرانيا أهمية امتلاك أي دولة عظمى أكثر من مجرد ترسانة عسكرية. فمن الصحيح أن روسيا تمتلك أحد أكبر الجيوش في العالم كما أنها تمتلك أسلحة نووية، ولكن ذلك وحده ما كان يكفي لأن تقوم روسيا بالبدء بحرب تعرف أنها سوف تلاقي استنكاراً وحصاراً دوليين. لقد كانت تعرف أن أوروبا التي دعمت تَحول أوروبا الشرقية السريع نحو الغرب وقامت بضم أغلبية دول المعسكر الشرقي السابق ومنها دول كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، عرفت أن أوروبا لن تستطيع فرض حصار اقتصادي وعسكري كامل، وذلك لاعتمادها الكبير على الغاز الروسي.

 

إن مصادر الطاقة متركزة بشكل كبير في دول ومناطق محددة في العالم، مما يعطي تلك الدول والمناطق أهمية وقدرات خاصة. ولعل أول استخدام للطاقة والبترول خاصة كسلاح كان في حرب أكتوبر 1973 عندما قام العرب بقيادة السعودية بوقف تصدير النفط إلى أميركا وأوروبا.

 

وما يحصل حالياً يدعم إحدى الفرضيات المطروحة لأسباب الحرب في سوريا والتي تقول إن السبب الرئيسي لدعم تركيا وبعض الدول الخليجية لتلك الحرب هو عدم موافقة سوريا الحليف الأول لروسيا على مد أنابيب الغاز من حقول الغاز في الخليج إلى أوروبا عبر تركيا والتي كان لا بد أن تمر في سوريا. ولعل ذلك يفسر أيضاً التدخل الروسي الساحق إلى جانب النظام السوري لمنع احتمالية مد هذا الأنبوب. فمن السهل التخيل الآن أنه لو تم مد هذا الأنبوب لاستطاعت أوروبا التحول عن الاعتماد على الغاز الروسي بشكل سريع ومباشر، ولفقدت روسيا أحد أهم أسلحتها الاقتصادية والذي جعل من الحصار الاقتصادي منقوصاً، حيث إن أي حل لتخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي يحتاج إلى سنوات عديدة، وسوف تكون تكلفته كبيرة وسيعاني منها سكان أوروبا، مما قد يغير في مواقفهم السياسية، خصوصاً إذا مر وقت طويل على بدء الحرب.

 

كما أن الحصول على الغاز من مصادر جديدة يعني تحويلها إلى مستوردين آخرين مثل الصين واليابان حيث تُعدان من أكبر مستوردي النفط والغاز، مما قد يتسبب في مفعول عكسي، حيث إنه قد يقوي ويسرع التقارب والتكامل الاقتصادي والعسكري الروسي الصيني، والذي قد يخلق حلفاً جديداً بقوة عسكرية واقتصادية تفوق قوة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو.

 

وفي جميع الأحوال، فإن حرب أوكرانيا سوف تكون من دون شك بداية لحروب عديدة قد تأخذ أشكالاً عديدة ومتنوعة، وسوف تكون حرب الطاقة ومصادرها من أهم أشكال هذه الحروب.

 

ومن الواضح أن الغاز الطبيعي سوف يكون الأكثر أهمية، ولعله سوف يكون سبباً في الكثير من الصراعات الجيوسياسية مثل ما يحدث حالياً في منطقة شرق البحر المتوسط وكذلك في الإقليم.

 

والأمل أن يكون الغاز والنفط مصدراً للرخاء والتطور لجميع دول المنطقة، وأن تبقى خارج هذه الحرب لكي تستطيع المنطقة التنعم بخيراتها بدلاً من أن تكون وبالاً عليها.

 

(القبس الكويتية)