موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٢ ابريل / نيسان ٢٠٢١

حول رؤية هلال رمضان

محمد السماك

محمد السماك

محمد السماك :

 

أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة بنجاح «مسبار الأمل» الفضائي إلى المريخ. المسافة بين الكرة الأرضية والمريخ تبلغ أضعاف المسافة بين القمر والأرض. القمر جارنا القريب، نعرف عن جغرافيته أكثر مما نعرف عن جغرافية أعماق البحار والمحيطات التي تشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية. أما المريخ فربما كان يوماً ما كالأرض، كوكباً تغمره المياه أنهاراً ومحيطات، عامراً بالحياة بكل أشكالها وأنوعها، قبل أن تصبح الحياة فيه الآن «أثراً بعد عين»!

 

يعرف الإنسان أن هذه الكواكب هي جزء صغير جداً من مجرّة درب التبانة، وفيها ما لا يعدّ ولا يحصى من النجوم والكواكب. ويعرف الإنسان أيضاً أن في الكون ما لا يعدّ ولا يحصى من المجرات. «وإنا لموسعون» يقول القرآن الكريم.

 

حركة «مسبار الأمل» الإماراتي محسوبة بالجزء من الثانية؛ منذ لحظة إطلاقه حتى لحظة وصوله إلى مداره حول المريخ. هذا الإنجار العلمي المتفوق ليس غريباً عن عالمنا العربي. فالعالِم المصري ابن يونس هو الذي صحّح في ضوء حساباته الفلكية الدقيقة حول حركة الأجرام السماوية، المعلومات الخاطئة التي ورثها العالم عن علماء اليونان. ثم إن أول مرصد علمي حديث لمراقبة النجوم والكواكب في العالم أُقيم في بغداد، وأُقيم الثاني في سمرقند.

 

والمعلومات العلمية عن الكون، والتي شكلت قاعدة العلوم الحديثة، كان الفلكيون العرب والمسلمون مصدرها.

 

ورغم كل ذلك، فإننا نقف مرتبكين أمام قضية رؤية هلال شهر رمضان! ولا يعود هذا الارتباك في تحديد بداية شهر رمضان المبارك ونهايته إلى نقص في العلوم والمعارف، ربما يعود إلى نقص في فهم مقاصد الشريعة الإسلامية.

 

إن النصّ القرآني نصّ إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو نصّ مقدّس، أي نصّ ثابت لا يتغيّر ولا يتبدّل. ثم إنه نص مطلق المعرفة. أما فهم هذا النص فهو عمل إنساني، وكل ما هو إنساني يبقى مفتوحاً على الخطأ والصواب، ولذا فهو فهم غير مقدّس، كما أنه فهم متبدّل ومتحرك، مع تبدّل وتغيّر المعارف والعلوم.

 

عندما نزلت الآية القرآنية الكريمة التي دعت المسلمين إلى أن يصوموا لرؤية هلال شهر رمضان «صوموا لرؤيته»، كانت الرؤية بالعين المجرّدة، ولم تكن هناك وسائل أخرى. اليوم تغيّر الوضع، وأصبحت الرؤية حسابية. يعرف الإنسان متى تكون بداية الشهر القمري في جزء من الثانية.. والمعرفة رؤية.

 

إن العالم كله يعرف بدقة هذه اللحظة بموجب حسابات علمية ثابتة ومؤكدة. يعرف متى يبدأ وينتهي أي شهر قمري ولو بعد قرن من الآن.

 

قد يحجب الرؤية ضباب عابر. لكن العلم الذي يخترق الآفاق، يبدّد في حساباته المعرفية الدقيقة كل أنواع الضباب. ويرى بعين (علمية) ثاقبة ما لا تراه عيون رجال طيّبين يقفون على شاطئ البحر منتظرين غروب الشمس لرؤية بداية (ولادة) هلال الشهر الجديد.

 

ثم إن الهلال لا يظهر نفسه لفئة من الناس ويحجبها في الوقت ذاته عن فئة أخرى. وقد لا يكون بين هذه الفئة وتلك سوى أميال قليلة تفصل بينهما!

 

كذلك فإن أمماً عديدة أخرى من غير المسلمين تعتمد التقويم القمري وتحسب لبدايات ونهايات الأشهر بموجب حسابات علمية دقيقة تراعي الجزء من الثانية.

 

أن يختلف المسلمون في دولهم ومجتمعاتهم المتعددة حول قضايا سياسية وأمنية، فذلك أمر قابل للفهم والاستيعاب، رغم أنه أمر غير مقبول.

 

أما أن يختلفوا حول بداية الشهر القمري، متى يبدأ شهر رمضان ومتى ينتهي، فذلك أمر يتحدى الفهم والاستيعاب.

 

(الاتحاد الإماراتية)