موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٤ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٢

تعليق على العيد الماسي لكنيسة البشارة، اللويبدة

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
فلتحمكِ أيتها الرعية عذراء البشارة بميلاد ابنها بينكم

فلتحمكِ أيتها الرعية عذراء البشارة بميلاد ابنها بينكم

 

أثناء عملي كمبشّر في كنائس مختلفة في ألمانيا، احتفلت إحدى الكنائس التي خدمها بالعيد المئوي على تأسيسها (1906-2006) - فطلب أثناءها كاهن الرعية، من الكهنة، الذين ما زالوا على قيد الحياة، كتابة مقال نوصف فيه الشعور الذي تركته فينا سنوات الخدمة في تلك الرعية. وقد تمنيت لو قام كاهن رعية اللويبدة، الأب الدكتور عدنان بدر بالمِثل، لو خطرت هذه الفكرة على باله، لكان الكتيب الذي كان سيصدره، زاد من رونق الاحتفال الذي  تمّ يوم الجمعة الموافق 30 أيلول 2022. أنا كنت في تلك الرعية لمدة سنوات من 1982-1988. وقد كتبت المقال التالي:

 

Henri Lubac كاهن فرنسي في الخمسيات من الفرن الماضي، وفي الوقت ذاته كان يشتغل في مصنع كأي عامل آخر، إذ وقتها خرجت هذه التجربة إلى حيّز الوجود، أي رابطة الكهنة العاملين، ليختلطوا مع العمّال ويفهموا فكرتهم واحتياجاتهم الروحيّة. أما الكاهن لوباك المذكور، فقد أصبح فيما بعد أسقف باريس وبالتالي أعطي رتبة كردينال، أي من الّذين يحق لهم اختيار البابا إذا كان عمره أقل من ثمانين.

 

قد كتب: إنّ أوروبا قد أصبحت كأفريقيا بلاد تبشير. أي تحتاج لمبشّرين. هي القارة التي كان فخرها أن تكون القارة المسيحية الوحيدة. لكن المسيحية قد ضعفت أوّلاً بأول، وعادت أوروبا بحاجة إلى التبشير، من بعد ما كانت في الـ200 سنة الأخيرة، هي التي تصدّر أكثر المبشّرين إلى العالم. نعم أوروبا نفسها صارت تحتاج اليوم إلى مبشّرين، حتى يبشروا سكانها بالرسالة المسيحية التي كانت قائمة عليها.

 

هذا وإنَّ آخر أسبوع من شهر تموز من كل عام، يكون الكثير من المبشرين قد جاؤوا إجازات إلى بلادهم ورهبانيتاهم الأم. فكان مطران الأبرشية بادربورن التي كنت أعمل فيها (أيضا كمبشّر) يدعو هؤلاء المبشرين إلى اللقاء معه في قداس احتفالي يتبعه غداء، فيسمع منهم عن صعوباتهم وصعوبات عمل التبشير. فكان حديثهم في السنين الأخيرة عن قلة المرسلين الجدد "إذ العمل كثير والعملة قليلون".

 

هذا وقد اعتبرت نفسي من عداد المبشرين في ألمانيا. قمت بهذا العمل لأكثر من 40 سنة. فلقد رحت إلى هناك بلا أثاث، لكن كان معي ما يُعطى للمبشرين بأيديهم يوم تسميتهم مبشرين، أي الكتاب المقدس والصليب. أي التبشير بكلمة الله والتوضيح للناس بأن خلاص البشر تم بالصليب.

 

أما وكيف صرت أنا مبشرًا، فأصفه باختصار: أن بطريركية أورشليم التي أنتمي إليها ككاهن، تربطها توأمة قديمة مع أبرشية بادربورن، وبهذه الطريقة حصلت على منحة دراسية لمدة سنتين في جامعة ألمانية. بعدها حاولت التعرّف على العمل الراعوي في رعايا ألمانيا لأعود إلى الأردن، وأمارس ما تعلّمته ومارسته، لكن حدث ما حدث وبقيت هناك وما تخليت عن البطريركية الأورشليمية، كما ظنني البعض.

 

وهكذا صرت أول مبشر من الأردن في ألمانيا إلى أن عدت إلى الوطن الأم منذ 1 تشرين الثاني 2022 أما سبب تركي لألمانيا فكان عواقب الكورونا.

 

والآن أعود إلى ذكرياتي في يوبيل الكنيسة المئوية، واسمها رعية القديس يوسف. خدمتها ست سنوات، وهي قليلة، إذا ما قورنت باليوبيل المئوي، لكنها كافية لتأدية عمل راعوي مع ذكريات جميلة، إذ لا فرق لك كراعي سواء في كنيسة كبيرة أو صغيرة، إذ العمل الراعوي هو هو. ففي الست سنوات قمت بأكثر مما قام به كثيرون قبلي. فلقد طلبت لائحة عائلات الرّعية وزرتها كلّها، مما كان يجلب استغراب الكثيرين منهم، حيث أنهم من سنين ما كان زارهم راعي، إلا في المناسبات العامة كمرض أو حادث موت. هذا وفي المناسبات السنوية، كنت أزور كل عائلات أولاد أول مناولة أو التثبيت اللذين لا يُمنحان مع بعض. وهكذا اطلعت في حديثي مع العائلات عن عوائد كثيرة وأطلعتهم عن عوائد أكثر من أبرشيتي الأردنية. كما وأدخلت بعض العوائد في الاحتفالات الدينية، كفي بداية الاحتفال بليلة عيد الميلاد، حيث كنت أبدأ الحفلة بالظلام الكامل في الكنيسة ثم إضاءة الأنوار عند ترنيمة المجد لله في العلى. كما وكنت أقوم ببعض العادات الدينية وغير المعروفة لهم (مع شرحها طبعًا) في الأسبوع المقدس، ممّا كان يبسطهم. فكانوا يحترمونني ويقدرون ما أقوم به من تجديدات.

 

هذا ولا أنسى حدثًا بقي في ذاكرتي طيلة إقامتي في ألمانيا، ولا يزال حيًّا في ذاكرتي حتى اليوم، وهو هذا. الكنيسة كانت تتسع لمئة شخص، والعجيب في الأمر أن طبقة الجيل القديم كانت لا تزال تتجمع في البنوك الآخيرة بينما بنوك الكنيسة قدام الهيكل فكانت غالبًا فاضية إلا من بعض الأولاد. فيومًا في عيد العائلة المقدسة جاءتني الفكرة أن أطلب بعد العظة من الأهالي الجالسين في مؤخرة الكنيسة أن يتقدموا ويجلسوا في البنوك قدام الهيكل. ثم انتظرت، فلم يتحركوا: فراجعت مطلبي وصبرت وما جرى شيء. فللمرّة الثالثة قلت: كل المقاعد بنفس الثمن، سواء في الآخير أم قدام فأرجوكم أن تتحركوا. وإذا بشيخ واقف تحت تمثال العذراء يتناول طاقيته من على رأس الطفل على ذراعيها ويترك الكنيسة ويخرج. فلمّا التقينا بعد مدّة عاتبني هو قائلا: سيدي العزيز راعينا! أنا رجعت من سجن الحرب الثانية من روسيا من 40 سنة سالمًا، وهذا مكاني من 40 سنة واقفًا تحت حماية العذراء. فكيف تريد مني أن أُغير مكاني؟

 

نعم 40 سنة تحت حماية العذراء وابنها. فافتكرت. الرعيّة كاملة تقف من 100 سنة تحت رعاية شفيعها القديس يوسف، فلا يسعني الآن إلا أن أشجعكم جميعًا أن تبقوا تحت حماية شفيعكم يوسف. وذكرتهم بهذا المجال بأولاد يعقوب الذين بسبب سبع سنين المحل التي حلّت بهم، أرسلهم أبوهم يعقوب إلى أخيهم يوسف قائلا: اذهبوا إلى يوسف، الذي كان فرعون قد أقامه وكيلا على جميع مخزوناته! فوجدوا عند يوسف أخيهم كل خير وعون وحماية. فهذا ما أرجوه لك يا رعيتي مار يوسف. نعم اذهبوا دومًا إلى شفيع رعيتكم يوسف، وستجدون عنده كل حماية وهو لن يخيب آمالكم.

 

بالتالي: رعية اللويبدة لها 60 سنة تحت حماية العذراء واسمها كنيسة البشارة. فلتحمك أيتها الرعية، التي أنا أيضًا خدمتها ما بين 1967 -1969 عذراء البشارة بميلاد ابنها بينكم، كما ذكر صاحب السيادة الأسقف جمال دعيبس في وعظته، وتقودكم دائمًا إلى ابنها. هذا ابنك! هذه أمّك.