موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١ أغسطس / آب ٢٠٢١

تحذيرات المسيح لكي لا نخسر رحمته ونعمه

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
تحذيرات المسيح لكي لا نخسر رحمته ونعمه

تحذيرات المسيح لكي لا نخسر رحمته ونعمه

 

"حانَ الوقتُ واقترب ملكوتُ الله. فتوبوا وآمنوا بالبشارة" (مرقس ١: ١٥)

 

هكذا بدأ الربّ يسوع المسيح بشارته: "تُوبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات" (متّى ٤: ١٧). والقديس يوحنّا المعمدان، السابق، بالطريقة نفسها كان يُعلِنُ فيقول: "تُوبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات" (متّى ٣: ٢). والآن، يؤنّب الربّ هذا الجيل لأنّهم لا يريدون أن يتوبوا، وملكوت السموات قد اقترب، هذا الملكوت الذي قال عنه يسوع بنفسه إنّه "لا يأتي على وَجهٍ يُراقَب. ولن يُقال هاهوذا هُنَا، أو هَاهوذا هُناك. فها إنَّ مَلكوتَ اللهِ بَينَكم" (لوقا ١٧: ٢٠-٢١).

 

فليكن لكلّ مِنّا  الفطنة لتقبّل تحذيرات الربّ، حتّى لا ندع زمن رحمته يفوتنا، هذا الوقت الذي يمرّ الآن بسرعة، حيث ما زال يعفي عن الجنس البشري. وإن أُعفِي عن الإنسان، فلكي يتوب وكي لا يُدان أحد. ذلك أنّ لله معرفة زمن نهاية العالم ودينونته: مهما يكن الأمر، فالآن هو زمن الإيمان.

 

"ٱتبَعاني أَجعَلُكُما صَيّادَي بَشَر" (مرقس ١: ١٧)

 

سِمعانَ واندراوس جاءا إلى يسوع كصيّادَي سمك، وصارا صيّادَي بشر، كما قيل: "هاءَنَذا مُرسِلٌ صَيَّادينَ كَثيرين، يَقولُ الرَّبّ، فيَصْطادونَهم، وبَعدَ ذلك أُرسِلُ قنَاصينَ كَثيرين، فيَقنِصوَنهم عن كُلِّ جَبَلٍ وعن كُلِّ تَلٍّ ومِن شُقوقِ الصَّخْر" (إرميا ١٦: ١٦). فَلَو أَرسَل حكماء وعظماء، لقيل إنّهم أقنَعوا الشعب وبالتالي ربحوه، أو خدعوه وبالتالي سيطروا واستَولوا عليه. ولو أرسل أغنياء، لقيل أنّهم خدعوا الناس بتغذيتهم، أو أفسدوهم بالمال وبالتالي حَكَموه. ولو أرسل رجالاً أقوياء، لقيل إنّهم قد أغروهم بالقوّة أو أَجبَروهم بالعنف.

 

لكنّ الرُّسل لم يكن لهم شيئاً من هذا. وقد أَظهَر الربّ هذا الأمر للجميع من خلال مثل سمعان بطرس. كان يفتقر إلى الشجاعة، إذ كان خائفًا عند سماعه صوت جارية. كان فقيرًا، لأنّه لم يتمكّن حتّى من دفع حصّته من الضريبة، عندئذٍ قال له يسوع: "فاذهب إلى البحرِ وأَلقِ الشِّصَّ، وأَمسِكْ أَوَّلَ سمَكةٍ تَخرُجُ وافْتَحْ فاها تَجِدْ فيهِ إستاراً، فَخُذهْ وأَدِّهِ لهم عنِّي وٓعنكَ" (متى ١٧: ٢٧). وهو بنفسه قال: "لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب" (أعمال الرُسُل ٣: ٦). ولم يكن لديه معرفة وثقافة، لأنّه عندما أنكر الربّ، لم يعرف كيفيّة التملّص والهروب بِحيلة.

 

لقد ذهب صيّادو السمك هؤلاء وانتصروا على الأقوياء والأغنياء والحكماء. إنّها لَمعجزة كبيرة: كونهم ضعفاء، اجتذبوا الأقوياء لعقيدتهم من دون عنف. علَّموا الأغنياء وهم فقراء. جعلوا الحكماء والعلماء تلاميذهم وهم جُهّال. لقد أفسحت حكمة العالم مكانها لهذه الحكمة التي هي في حدّ ذاتها حكمة كلّ حِكمة.

 

"فَتَركا الشِّباكَ لوقتِهما وتَبِعاه" (مرقس ١: ١٨)

 

قد يتسأل البعض: "ماذا تركا من أشياء ثمينة تلبية لنداء الربّ، هذان الصيّادان اللذان لا يملكان شيئًا تقريبًا؟" لقد تركا الكثير، لأنّهما تخلّيا عن كلّ شيء، عن كل ما يملكانه، مهما يكن هذا الشيء قليلاً. أمّا نحن، فعلى العكس، نتعلّق بكلّ ما لدينا، ونبحث بطمع عمّا ليس لدينا.

 

ترك بطرس وأندراوس الكثير عندما تخلّيا معًا عن أبسط رغبة في الامتلاك. لقد تركا الكثير، عندما تخلّيا عن ممتلكاتهما، تخلّيا كذلك عن كل رغباتهما الشخصية ليتبعا يسوع. فلا يقل أحد في نفسه، حتّى عندما يرى أن البعض تَرَكُوا  ثروات كبيرة: "أودّ لو أمتثل بهم في احتقارهم لهذا العالم لخدمة الكلمة والفقراء والأيتام والمرضى وغيرهم... لكن ليس لديّ شيء أتخلّى عنه، فأنا لا أملك شيئًا".

 

إخوتي الأحباء، أنتم تتركون الكثير، عندما تتخلّون عن رغبات وغنى هذا العالم ومغراياته. كونوا على ثقة بأنّ الربّ يكتفي بممتلكاتنا الخارجيّة مهما كانت صغيرة حتى ولو كانت حقيرة وغير نافعة، ولا قيمة لها، وتأكدوا جيدًا بأن الرب  لا يهتمّ إلاّ بالقلب ولا بثمن الأشياء، يهتمّ بالباطن ولا بالظاهر. لا يرى كم قدّمنا له، إنّما كم من المحبّة رافقت تقدمتنا وعطاءنا.

 

إذا أردنا أن نهتمّ فقط بالممتلكات الخارجيّة، فإنّ قدّيسانا التاجران دفعا بشباكهما وبمركبهما ثمن الحياة الأبديّة، حياة الملائكة والقدّيسين. ملكوت الله الذي ليس له ثمن، ولكنّه لا يكلّفك أكثر أو أقل ممّا تمتلك.

 

 

+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية  للأرمن الكاثوليك