موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١

تجربتي مع المجال الإنساني

بقلم :
رائد نيسان حنا - العراق
تجربتي مع المجال الإنساني

تجربتي مع المجال الإنساني

 

منذ  أحداث داعش والمعلومة بيوم الكارثي الأحداث الكاراثية 2014/8/3 التي حلت بإخوتنا ومن هذا المنطلق وبأشهر قليلة تطوعت في مجال الإنساني وانسكب هذا العمل وتحرك في داخلي حينها اتخذت هذا العمل بجدية ومسؤولية ووضعت على عاتقي لمساعدتهم ووهبت وقتي وجهدي لخدمتهم ولتعايش معهم لكي أدرك معنى النزوح وأتفهم وأعيش آلامهم وأشعر بمعاناتهم واضع نفسي في مكانهم لكي أشعر بماذا يفكرون وبماذا يشعرون في هذه اللحظات الحرجة والقاسية التي أصابتهم من تهجير وتدمير منازلهم وسرقة ممتلكاتهم وفقدان أعزاء على قلوبهم وقتل وسبي نسائهم واغتصاب وحالات الأنتحار وحالات النفسية من جراء الأحداث التي أحاطت بهم الخ... والمعذرة على هذا الأستذكار والصيغة التي لا تليق بهم.

 

التحقت بمجال الإنساني التطوعي الخدمة المجانية حُباً لهذا المجال ونظراً بما يناسب تخصصي وقدراتي المهنية في مجال حقوق الانسان والطفولة وأصبح لي سنوات في هذا المجال، بعد انخراطي والمباشرة في مجال  الإنساني من خلال  تقديم المساعدات فإنني قد أحببت هذا المجال خاصة أنه يوماً بعد يوم كان يترك أثراً لدي وانطباعاً خاصاً مليء بالسعادة  لكوني احد المشاركين بهذه الخدمة التطوعية وهذه الاستفادة انعكست عليَّ بشكل شخصي وعلى زملائي وأسرتي، حتى أنني نقلت لهم بعض الأساسيات في هذا المجال لقد استفدت من برامج كثيرة من ضمنها التعرف على المعايير الأساسية في مجال الإنساني، ولا يستطيع الإنسان أن ينخرط ويتطوع في العمل المجال الإنساني يجب أن يفهم ويدرك إنها تكلفة بوقته، إن لم يكن قادراً ومضحياً لخدمة المحتاجين ويضع محبته لأجلهم وإن لم يتعايش معهم وإن لم يكن واهبا نفسه ومستعدا للخدمة واضعاً نفسه في مكانهم، ولا يمكن لأنسان أن يمارس عمل الخير بدون إنكار الذات. وهذا المجال يمثل راحة نفسية واجتماعية بالنسبة لي لاتك تعامل مع أخيك الانسان تدعمه وتسانده لأنتشاله من محنته...وسبب تواصلي في هذا المجال هو مساعدة الناس بقدر المستطاع من خلال الاستمرار في تزويدهم بالخدمة التي من شأنها  أن تساعدهم في تخفيف من معاناتهم وهذه احدى الاسباب التي جعلتني استمر في عملي، محبتي لهذا المجال وشغفي هو السبب الرئيسي وراء استمراري الذي يجعلني متمسك في هذا المجال.

 

من خلال عملي وجولاتي التقيت مع كثيرين مع إخوتي النازحين من خلال تقديم المعونات والجلوس معهم وسماع لقصصهم المحزنة والأليمة مليئة بالصعوبات والمأساة وحالات بائسة تستوجب الأنقاذ والمساندة, وتصورت مدى صعوبة ووطأة هذه الظروف التي واجهوها وسيواجهونها من الضغوطات وحجم معاناتهم التي عاشوها وكنت اعجز عن توفير الإجابات لمساعدتهم.

 

ذات يوم كنت  في احدى جولاتنا الميدانية مع المتطوعين لتقديم المساعدات تقابلنا مع الكثير من النازحين والاطلاع على ظروفهم القاسية واتذكر حينها  حين دخلنا انا وصديقي في احدى الهياكل والتقينا بأحدى النازحات وكانت الصدمة كانت ترتدي ملابس سوداء ومحتظنا أحدى اطفالها على ذراعيها وسأل صديقي أين والده؟ ارتجفت شفتاها وبحزن عميق أجابت, استشهد قبل شهرين في محور سنجار ومدت يديها على الصورة وتحولت الى سماء مُمطرة وتمطرت عيناها بدموع أليمة ممتلئة بالوجع, وأدركت حينها أنها تعود لزوجها الشهيد ضمن الجرائم التي حلت عليهم في سنجار والشاهد على هذا المشهد الصادم صديقي الذي كان يعمل معي انهارت دموعه كالأطفال والحزن غطى وجهي تماما وبقيت بوضع السكوت ولم اتجرء أن اقدم الكلمات والجُمل لهذا المشهد المؤلم والصادم، هذه إحدى المشاهد من المشاهد المأساوية التي شاهدتها خلال جولاتي الميدانية، لامستني وأثرت فيٌ ولم تغب عن ذهني، وهناك الكثير لا تعد ولا تحصى من فواجع  وأحسست حينها بوجع والم عميق ينتباهم، هذا المشهد وغيرها علمتني أمور كثيرة، مَن لا يعيش الحوادث والكوارث لا يقدر أن يشعر ويتفهم المحتاجين بفقرهم والالامهم واوجاعهم وبتعايش بالقرب منهم.

 

كانت تراودني الكثير من التساؤلات وتدور في مخيلتي: ماذا لو حصل معي كما حصل معهم؟ ماذا لو فقدتوا أعزاء على قلبي؟ ماذا سيحصل لي لو فقدتوا عائلتي؟ ماذا سيحصل لي وعائلتي في قبضتهم؟ماذا لو فقدتوا منزلي وممتلكاتي وتعب سنين هدرت بلحظات... وهنا ماذا سيكون شعورك حينها؟ هل تخيلت معي هذا الشعور؟

 

صديقي القارئ هل فكرت معي هذه الطريقة؟ أو هل قمت بتجربة في هذا الموضوع؟وماذا كان شعورك؟ وبماذا ستصيب؟ هل تخيلت معي هذه المواقف؟

 

أتيحت لي فرصة من خلال عملي التطوعي التعرف على إخوتي النازحين  وتكوين صداقات وعلاقات ودية جديدة من بيئة غير بيئتي فهذا أمر جيد تجمعنا الإنسانية وبعض المنظمات والخيريين  وهذا المجال يتطلب علاقات واسعة لهذا المطلب في مجال الانساني، وكانت فرصة التي تعرفت من خلالها أمور كثيرة وكانت فرصة لصقل الإمكانيات وتبادل المعلومات مع مجموعات مختلفة من المتطوعين، وهذا المجال زادني خبرة وتاريخ لسنوات وتكونت لي سجل حافل في الاعمال الخيرية، واطمع أن يكون لي المزيد من الخبرات من الذين لديهم خبرات واسعة في هذا المجال. ولو أتيحت لي فرصة للمشاركة في دورات تدريبية أخرى في مجال إدارة الكوارث وغيرها وهذا سيزيد من إمكانياتي وخبرتي، وأتعلم شيء جديد ويضاف إلى طاقاتي السابقة  كما التحقت بدورات متقدمة في الصدمات النفسية، والطفولة، حيث ساهمت في تقديم عملي التطوعي. وبعد العمل المثابر قررنا على تشكيل فريق للعمل وانشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدات وإطلاق مبادرات واستغاثة لتقديم المعونات حيث تفاعلت بمدى قصير والتي ساعدت على تخفيف من صعوباتهم وقد ساهمت في الانتاجية لخدمة المحتاجين واستخدمتُ خبرتي في المجال التطوعي فالحاجة كانت مُلحة لذلك. ولا أزال مستمر وأستفاد من عملي التطوعي حيث نقوم من خلال مجموعة من الشباب والشابات المتطوعين بتنفيذ برامج الاغاثة وبرامج المتعلقة بطفولة.

 

علمني مجال الإغاثة القيادة والإدارة وقت الأزمات، تكونت لي خبرة طويلة في العمل التطوعي من منطلق مساعدات واكتساب الخبرات لتقييم الأوضاع وتوزيع المساعدات، وبالفعل استطعنا إيصال المساعدات إلى النازحين. أثناء توزيعنا المساعدات، والضيافة، لقد أحرجونا بكرمهم وطيبة قلبهم. وهناك الكثير من المواقف والأحداث التي مرت بنا في مجال الانساني التطوعي  كان لها عظيم الأثر في تأكيد عزمنا وإصرارنا على مواصلة مهمتنا الإنسانية والكثير من الأمور تعلمتها من خلال عملي التطوعي, كما كان لأختلاف الجنسيات والثقافات أثر كبير في إثراء تجربتي فتبادلنا معهم الخبرات والمعرفة من خلال العمل الجماعي والتعاون الذي يضمنا تحت مظلة واحدة وهي العمل الإنساني. وقد حرصت على مشاركة تجربتي، بصعوباتها ومميزاتها والدروس المستفادة منها، مع فريقي  لغرس روح العمل المجتمعي في نفوسهم وتشجيعهم على المشاركة في مجال العمل التطوعي.

 

بنظري أن العمل التطوعي هو مطلب يجب أن يكون عند كل الناس لأنه يترك انطباعا وأثراً على النفس التي ساهمت في تقديم شيء للآخرين شيء يساهم في تغير حياتهم نتيجة ظروف معينة يعيشونها، ومن هنا فإنني أنصح كل جيل الشباب أن يبادروا في المساهمة في هذا المجال لأنه سيكون له أثر إيجابي في حياتهم وحياة غيرهم, وأقول لكافة الشاب بان التطوع ليس فقط أن تبذل لمساعدة الناس، فهو نمو ذاتي وروحي. التطوع ينمي الإنسان نفسيا، ويطور مهاراته الشخصية والإدارية، وبخاصة العمل الإغاثة الذي يمتحن قدراتك في الأزمات وإدارتها، كل هذا إضافة إلى بناء شبكة علاقات مميزة، وكلمتي للشباب أن تبحث عن شغفك، وتطوع فيه فهو استثمار شخصي ومجتمعي، فيوجد الكثير من الجمعيات والمبادرات الشبابية التي تساعد على ذلك ويمكنك التطوع من خلالهم. لا تفي كل الحروف والكلمات للتعبير عما يمكن استشعاره من تقديم المساعدة لمن نظن أنهم بحاجة لنا في هذه الاوقات العصيبة والمتأزمة...

 

التطوع يعني التكافل والتعاون والمشاركة في المجتمع والتضحية والإيثار، لذا تطوعوا ما دمتم قادرين على العطاء لتستشعروا ما تمتلكون من الٍنعم وإن كانت لا تذكر فالحياة مليئة بمن لا يمتلكون سوى الأمل, لقد نما التطوع داخلي حب العمل الإنساني حيث أني خرجت بمهمات إنسانية وإغاثية وهذه المهمات لمست قلبي وأدركت معنى المجاعة والفقر والتشرد. إن اتخاذ قرار التطوع خاصة بالمجالات الإنسانية يعود على الشخص بالنفع واكتساب خبرات ومهارات جديدة لذا انصح الشباب بالعمل التطوعي.

 

بالعمل التطوعي  اكتشفت الصفات الكامنة في ذاتي، منها القدرة على القيادة والصبر، الأمر الذي أسهم في تقوية شخصيتي وزيادة ثقتي بنفسي خصوصاً أنني أقوم بعمل تطوعي يسهم في خدمة  المحتاجين وبلا شك أنعكس ذلك ليس فقط في عملي بل على حياتي الشخصية كذلك.

 

أود أن أحث الجميع على المشاركة في الأعمال التطوعية لما لها من أثر كبير في إثراء مهاراتهم وخبراتهم في حياتهم العملية، وأيضًا في حياتهم الشخصية، وأن يتبنوا هذا الدور الإنساني في تعاملهم مع الآخرين.

 

تعلمت تلك الرسالة النبيلة التي تهدف إلى مساعدة الإنسان بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو لونه أو دينه أينما وُجد كما أود أن أتوجه بخالص الشكر والامتنان لإتاحة هذه الفرصة الفريدة لي بأن أشارك في مجال العمل التطوعي.

 

بالعمل التطوعي تُعلم وتتعلم، ورسالة أمل تُحسسهم بأنهم مُهمين وذو قيمة وغير متروكين ,ومن لا يشعر بأخيه الأنسان لا يملك الإنسانية، فاقد الشيء لا يعطيه.

 

هكذا كانت رحلتي ومسوؤليتي مع مجال الانساني لا بد من التضامن والتبني قضاياهم وتحويلها الى حمامات السلام لتعود عليهم بالنفع والخير ونرسم لهم أبواب السلام والرجاء لأنهم على أستحقاق على ذلك وليكون لهم الأفضل.