موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٣ ابريل / نيسان ٢٠٢١

بين عامين

بقلم :
د. رامي نفّاع - الأردن
د. رامي نفاع، دكتوراه في الفلسفة

د. رامي نفاع، دكتوراه في الفلسفة

 

قبل عام من الأن، كان العالم يرزح تحت وطأة وباءٍ لم يشهد له مثيل في الأمد المنظور، وباء جعل العالم كله يقف على حافة الهاوية، أقرب للهلاك منه إلى الخلاص، بات العالم مكانًا موحشًا، أُطفئت أضواء المدن وذبلت أزهار الحدائق العامة، توقفت حركة الطائرات والسيارات والمارة، مشهد ما كان لأعتى المتشائمين أن يتخيله. وفي خضم هذا الصورة السوداوية لفتت دولة بحجم بعض الورد أنظار العالم كله، دولة تسمى الأردن قدمت مثالاً يُحتذى في الوعي والالتزام قاد إلى احتواء وباء لم يتعلم المجتمع الدولي أبجدية التعامل معه بعد، شكل ترابطهم وتعاونهم ظاهرة تضاهي ظاهرة الوباء نفسه. فكان السؤال من أين لك يا أردن هذا النسيج المتلاحم وهذا التناغم المتفرد بين أفراد شعبك وأجهزتهم الأمنية والصحية، أي ربان هذا الذي يقود سفينته إلى بر الأمان في هذا الأمواج العاتية التي حطمت سفن أكبر الدول وأهم العواصم في العالم، لقد كان الأردن بلا شك قبلة أنظار المجتمع الإنساني على امتداد هذه الأرض.

 

اليوم بعد عام ونيف، يخطف الأردن أنظار العالم مرة أخرى، لكن للأسف بسبب الحالة التي بات عليها، ففي الوقت الذي يودع العالم فيه عامه المُظلم يبدو وكأننا نبدأ عامنا، فالحديث عن احتواء الوباء لا يزال في بدايات الطريق مع تعنت البعض في عدم تلقي اللقاح، والموت صار عددا نقارنه بعدد الأمس والغد، والاقتصاد أمسى عصيا عن الإنقاذ حتى لدى أكثر الاقتصاديين تفاؤلا، ومع هذا كله ومع غيره، إلا ان ما يسيطر على المشهد الأردني الأن هو أمر الخلاف الداخلي في نطاق العائلة الأردنية، ولا أقول هنا العائلة الهاشمية، فنحن منهم وهم منا نحن عائلة واحدة شئنا أم أبينا، يحترم صغيرنا كبيرنا، ويكرم شبابنا شيابنا، يدافع قوينا عن ضعيفنا.

 

ماذا حل بنا يا إخواني وأبناء عمي وأخوالي، الم نتشارك أمالنا وآلامنا على الدوام، عشنا ماضينا ونتشارك حاضرنا ونصبو لغدنا معا، لا نجاة لفرد دون الجماعة، لا بر أمان للأفراد، بر الأمان وشاطئ النجاة لا يستقبل إلا الجماعة. أما عاد لنا كبير نصمت في حضرته ونصغي لصوت حكمته؟ أما عاد بيننا فارسٌ يلجم حصان غضبنا؟ نُكّذب بعضنا بعضا ونشكك في بعضنا بعضا ونتطاول على بعضنا بعضا. أحبائي، إن الإصرار على ما نحن عليه لن يقود إلا إلى السير نحو الخراب والتشرذم والغرق أكثر، إننا في بحر عتي أغرق من حولنا دول ما كُنا نحسبها غارقة، وجار على شعوب ما كنا نحسب أن شمسها تغرب، ألا نتعظ...

 

ما المطلوب؟ في ظل الأزمة الأخيرة التي أدعي أنها شكلت أشد صدمة تعرض لها مجتمعنا في التاريخ المعاصر، حيث إننا لم نعتد على هذه الصيغة في مخاطبة بعضنا البعض، ولا على هذا التطاول على بعضنا البعض، هناك مفردات جديدة تغزوا مفرداتنا، وأنماط سلوك تتسلل إلى أفعالنا، الجميع يُنظّر، والجميع يُشكك والجميع يُحاسب، والجميع يُوجه ويُقرر، ثم ماذا؟ إلى أين؟ ما المطلوب؟


يا أردنيون، يا أبناء البيت الواحد، وإن اختلفنا على كل شيء فإننا نتفق على الأردن وعلى استقراره وحفظ نظامه وسلامة مؤسساته ومنعته وصورته أمام العالم أجمع، سنتصالح لاحقًا ونتجاوز خلافاتنا وننسى، لكن جُل الذي أخشاه أن لا ينسى العالم.

 
ما حصل قد حصل، ولا أحد منا يستطيع أن يدعي انه يعلم علم اليقين ما وراء المشهد، لن أُسيئ لأحد لا من الداخل ولا من الخارج، لا من المتكلمين ولا من الصامتين، لكن أتحدث بلسان حالي وحال الكثيرين، ألا تشعرون بالخجل؟ ألا يخجل البعض مما يقوم به او مما يقوله؟ نعم نحن اعتدنا الفساد والمفسدين لكننا لم نعتد الوقاحة والوقحين. كيف لنا ان ننقسم إلى عربان ونحن عرب واحدة؟

 

ما أريد أن أقوله: ان جلالة الملك وولي العهد والأمراء جميعهم هم صمام أمان هذا الوطن، نحن وهم معا في خندق واحد. فلا نريد ان نسمع إلا صوت الحكمة وصوت الألفة والتوافق والتعاضد، ويجب أن لا نسمح بالإساءة لأي طرف فلا يمكن أن نشكك فيما يصدر عن ديوان مملكتنا، ولا يمكن أن نسمح في التطاول على أحد أمرائنا إن أي تطاول من أي طرف على الأخر هو امتهانٌ للوطن الواحد والنسيج الواحد والعائلة الواحدة، ولا نقبل أيضا أي صدام مع أجهزتنا الأمنية، هم إخوتنا وأبناء عمومتنا وأخوالنا وأنسباؤنا، هم ونحن نبني ونزرع ونحصد سوية.

 

إن كان هناك بعض الشوائب في الماء، فلا بأس ننقي ماءنا ونشرب منه سوية، ولا يمكن تنقية هذا الماء إلا بمجموعة من القرارات التي تعالج الواقع وترتقي في ابنائه، والدعوة هنا إلى صياغة عقد اجتماعي جديد على يد أشخاص يقدمون المصلحة العامة عن الخاصة ووضع خارطة طريق للعمل وفق رؤى وتوجهات صارمة وواضحة للجميع وفق جدول زمني منظور، إن الدعوة هنا إلى أن يعمل الجميع تحت رقابة الجميع ولمصلحة الجميع، فالكل أمام الوطن سواء. علينا ان نكون متحابين ومتعاونين لنضمن لأنفسنا مكانا في الغد، كي لا نُلقى على قارعة الأوطان ذكرى وطن أو ذكرى شعب لا سمح الله.