موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣

باب الريح وحكي «الأساطيح»!

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

بين مثلين شعبيين حل كل هذا التنمّر الذي صار ظاهرة عالمية في ظل منصات «التواصل الاجتماعي».

 

إن أردنا حقا مكافحة هذا الوباء المتدرج من التذّمر إلى التندّر فالتنمّر، علينا سد الباب الذي تأتي منه الريح. ثمة ثغرات ساهمنا بفتحها عن جهل أو قصد. البعض رآها منافذ للتنفيس تخفيفا عن الضغوط والإحباطات التي تعاني منها المجتمعات في ظروف استثنائية.

 

أما المثل الشعبي الثاني فهو ذلك النوع من الكلام بوحا أو صياحا الذي تشهده أسطح المنازل. يعلو بعض المتسلقين السقوف كلها، ويصرون على قصف الجميع بنميمتهم وغيلتهم مستغلين الفضاء العام. الحكي «فوق الأساطيح» لا ينهيه إغلاق الأبواب، وإنما الحيلولة دون اعتلاء المتنمّرين للسقوف باسم حقهم في قول ما شاءوا وأنّا شاءوا!

 

وحتى لا نعيد اختراع الدولاب وندقّ الماء ونحرث حراث الجمال، لا بد من حلول مجترحة من طبيعة الجروح التي يخلفها هؤلاء المتسلقون المتنمّرون. وللإنصاف ثمة جهل أكثر من شر في كثير مما يهذرون وينفثون.

 

لا يكفي عندما نريد حلا التعويم والتعميم. لا بد من وضع الأصبع على الجرح، لا بد من استخدام المبضع إن لزم الأمر لفقأ تلك الدمامل وتطهير الجروح الملتئمة على عجل من صديدها.

 

اطّلعت على دعوات لإغلاق خانة التعليق خلال تغطية الأحداث، فيما دعا كثيرون إلى منع وسائل الإعلام أصلا من تغطية الأحداث الدينية. مؤخرا كان لدينا مناسبات لا ينبغي حصرها بأنها دينية فقط، فهي وطنية وروحية وإنسانية، وبلغة الحقوق والواجبات، بأرقام الصادرات والواردات، هي ذروة من ذرى اقتصادنا وحاضرنا وإرثنا وتاريخنا.

 

القضية ليست تعليقات على جنازة في لبنان أو صرح يقام في إحدى مدننا الحبيبة. القضية ليست فيلما لنتفليكس أو عملا دراميا أردنيا عن «حارة»! لتسقط البذاءة بأنواعها وليست اللفظية وحدها، لكن من اللافت إصرار البعض على استهداف كل منتج أردني وكل نشاط وفكرة واقتراح من الطبيعي أن تختلف الآراء حوله.

 

من هم محتكرو حق الاجتهاد، وحق التفكير والتعبير والإبداع والعبادة والسياسة والتجارة؟ هم أولا وأخيرا مواطنون، والواجب على كل من يتصدى لأمانة خدمة المواطنين ورعايتهم والحديث باسمهم أو في شؤونهم العامة، من الواجب حمياتهم حتى من أنفسهم.

 

واجب الجمهور العام سفه السفيه ورذل الرذالة.. أما واجب المختص مسؤولا كان أم قوة وازنة في المجتمع، فمختلف تماما. يقتضي الواجب حملة توعية أولا، وإجراءات استباقية وقائية ثانيا، وعقوبات رادعة حازمة صارمة ثالثا. التراخي والتأخير خطير، كون المتنمّر ومن تسول له نفسه بالتنمر يراقب ردود الأفعال. فإن رآها مجرد تعليق أو حتى مقالة أو محاضرة أو دراسة، استسهل الأمر وتمادى.

 

لا ينقص أي مجتمع فيه هذا الكم الهائل من التحصيل الأكاديمي والخبرات الإعلامية التي ملأت سمع وبصر الإقليم والدنيا، القدرة على وضع حد لهذا التنمّر الذي ما عاد فرديا بفعل عقلية القطيع. ضباع يخيّل لها أنها «تضبع» من يخالفها. وبذلك يكون الصمت نقيصة لا فضيلة.

 

الصادم أن كثيرا من المتنمرين يتطاولون دون الحاجة إلى أسماء مستعارة. الأمر الذي يتطلب تسليط الضوء عليهم في برامج حوارية خاصة كتلك التي تعرف بال «تاون هول» برامج من النوع الذي كان يقدمها النجم التلفزيوني القدير عروة زريقات في التلفزيون الأردني..

 

(الدستور الأردنية)